تأملات أدبية فى الإنسان والبَرِيَّة بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة
امرأة هى ارق من الوردة وأجمل من قلب القمر، تجمع فى نظراتها بين كل فصول العام وجمال الطبيعة ، بها حزن كوكب، لها من الحس رقته ، باكية عيونها بلا سبب سوى أنها للرقة عنوان ومرجع. هى كوكب منفصل عن كل الكواكب. ربما أتت للحياة برفقة الصفاء، بداخلها الأنوثة والنقاء، فهى زهرة كل العصور لا يهددها ذبول.
انسانة هى بروح طفلة جميلة أنيقة رشيقة، خلقها الله لنأنس بها. تارة عنيدة وتارة وحيدة، لكنها فى كل الحالات فريدة. الأنثى فى كافة المخلوقات كائن يستحق الإهتمام والثناء والرحمة والدراسة ولن نمنحه حقه ما اجتهدنا إلى ذلك سبيلا.
فمن يليق به أن يدعى إنسانا ؟ وما الفرق بينه وبين الجن؟ وما طبائع الإنسان الأربعة؟ وخل هناك أمم أمثالنا فى الحيوانات ؟ هل بتشابه الإنسان فى طبعه مع بعض الحيوانات؟
يقال أن الإنسان في كلام العرب يرجع إلى معنى الظهور، عكس الجن، لذلك فظهورها يلفت الأنظار ويسلب اللب. وقالوا أن الانسان ماخوذ من انس وهو الشيء المأنوس الذي يؤنس به ولذلك تسمى انثاه آنسة.
ثم إنهم ذكروا للإنسان معنى آخر هو: النسيان. فقد أورد ابن منظور عن ابن عباس قوله: “إنما سمي الإنسان إنسانا؛ لأنه عهد إليه فنسي”، كما في قوله تعالى: “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما”. وبهذا قال الكوفيون: إنه مشتق من النسيان. لذا فإن معنى الإنسان في كلام العرب يعني الظهور، والنسيان. ويقال أنه ماخوذ من النسيء اي التاخير او الرجوع لأنه سيرجع الى الارض ثم الى خالقه.
ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم، في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه، فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في: نفسه، وطريقته، وحياته. فيكون ظاهرا في: مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى، كما يتوارى الجن. فالإنسان على عكس الجان يأنس ويؤنس له ويؤنس به.
والإنسان: أصله الإنس وهو اسم جنس زيدت فيه الالف والنون، فيدلّ على التشخّص وخصوصيّة زائدة:
(إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُومُبِينٌ) 12/ 5. (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) 59/ 16. (وكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا) 25/ 29.
وقسم العلماء حروف الإنسان إلى أربعة أقسام:
١_ الأحرف النارية (أ، ه، ط، م، ف، ش، ذ): طبيعة الأشخاص الذين يبدؤون بهذه الأحرف استبدادية، ويُحبّون السيطرة، ويتّصفون بالصلابة، ويمتازون بالنشاط الدائم، ولكن لا يحافظون على الأسرار، وهم يسعون وراء الهدف، ويمتلكون الطموح.
٢_ الأحرف الهوائية (ج، ز، ك، س، ق، ث، ظ): الأشخاص الذين يبدؤون بهذه الأحرف من أسمائهم يمتازون بالخفة في الحركة، والقدرة على الابتكار، وهم أيضاً أشخاص مندفعين، ويحبون المخاطرة، ويحرصون على الاستمرار في تغيير قراراتهم، ويميلون إلى العصبية الزائدة.
٣_ لأحرف الترابية (ب، و، ي، ن، ص، ت، ض): يمتلك أصحاب هذه الأحرف الصبر، واليقظة قبل حدوث الخطر، ويمتازون بجاذبية قوية، ويحرصون على كتم الأسرار، ويميلون إلى البرودة.
٤_ الأحرف المائية (د، ح، ع، ر، خ، غ): يتّصف الأشخاص الذين يبدؤون بهذه الأحرف بالشهرة، والتقلّب، والتلاعب بالآخرين، ويمتازون بالتضحية، وحسن الخلق.
يقول الله : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ سورة الأنعام 38
ولذلك نجد الله تعالى قد ضرب لبعض بني آدم أمثلة شبههم بها بالحيوانات فقال الله سبحانه عن نفر من الناس: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثسورة الأعراف176،
وتأمل في النمل كيف تجتهد النملة في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئاً لنفسها، لا يوجد نملة في مجتمع النمل تأخذ هذا الطعام لوحدها فتأكله وتعتزل به جانباً وإنما تجره إلى جحرها حتى يتشارك الجميع في أكله، إن ذلك هو التعاون بعينه الذي يوجد في بعض مجتمعات البشر الذين حباهم الله بتلك النعم.
ومن أمثلة المجتمعات الحيوانية التي فيها انضباط ومشابهة كبيرة في حياة الناس مجتمع الحمام، وهو من أعجب الحيوانات حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله: أنه أعقل الطير، وهذا يحمل الرسائل والكتب، وربما زادت قيمة الطير منه على قيمة العبد والمملوك؛ لأنه يفعل في بعض الأحيان ما لا يفعله العبد والمملوك، فإنه يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ألف فرسخ فما دونها، وتنهي الأخبار والأغراض والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الملوك والدول عن طريق هذا النوع من الحمام..
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليق لطيف في هذا الموضع: والقيمون الموظفون الذين يقومون برعي هذا الحمام، يحفظون الذكور عن الإناث حتى لا تختلط أنساب الحمام، ولا يحفظون أرحام نسائهم هم البشر، ويحتاطون كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون عليها. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والحمام موصوف باليُمن والألف للناس، وهكذا بعض الناس تجده أليفاً يحبه الآخرون، ولكن أناساً آخرين فيهم من طبائع الوحشية والنفور لا يألفهم أحد، وهكذا الحيوانات على قسمين: قسم أليف يعيش مع الغير، وقسم وحشي ينفر من الجميع.
وهذا الحمام يألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه وإن أساء إليه، ويعود إليه من مسافات بعيدة، وربما صد عن الرجوع، عطله عاطل عن الرجوع فترك وطنه عشر سنين وهو ثابت على الوفاء، حتى إذا استطاع العودة عاد إلى موطنه ذلك، وكذلك
البشر كالحمام منهم من يحفظ لك الوفاء والعهد، ولو أسأت إليه مرة فإنه يرجع إليك ويفيء؛ لأن عنده من تلك الطباع الأليفة ما يجعله يحتمل منك ذلك الخطأ في سبيل ذلك المعروف العظيم الذي أسديته إليه، كما أسدى صاحب الحمام لها الطعام والمسكن وهيأ لها وسائل المعيشة، فهي تحبه وترجع إلى المسكن وتألفه. فكن جميلا ترى الوجود جميلا.
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف