صمت الإعلام….. “أفروسنتريزم”
بقلم الأديب المصرى
د. طارق رضوان جمعة
ما أجمل أن تكون اللغة بساطك السحرى لتحلق به عاليا وترى الحقائق لعين العاقل المتدبر. فاللغة هى مرأة للنفوس فهى تئن لحزنك أو مبتسمة لشعورك بالأمل. فهى الضاحك الباكى تلهو فوق أسطرنا بحلوها وجمالياتها لتعكس ما بداخلنا.
والإعلام السوى هو أيضا شكل من اشكال اللغة وله دور بارز فى حياتنا. لانه عمليّة نشر للحقائق والمعلومات بصورة دقيقة وصادقة. ويهدف إلى تنظيم العمليّة التفاعلية بين الجمهور. فهو تعبير عن الجمهور وعقليته وعاطفته وميوله واتجاهاته المختلفة من أجل تكوين أنشطة نقديّة ورقابة عامة. فماذا بحدث لو أنه إعلام صامت؟! يصمت عما يتعرض له البشر من بلاء، فيعجز عن رسم طوق للنجاة ولا يمكنه حتى إضاءة مصابيح التوعية الفكرية. فصار إعلاما غريبا وشاردا فى اوطانه.
يقول سبحانه وتعالى، في الآية ١٥٥ من سورة البقرة: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}. فأين الإعلام من بلاء الافروسنترك؟ وما هى خطورته؟ وبعيدا عن أى عنصرية هل وجود ما بقدر ب ٦ مليون لاجئ بمصر أمر مخيف أم أنه عادى؟
.يقولعلي بن أبي طالب: ليس البلية في أيامنا عجبا ** بل السلامة فيها أعجب العجب
موجة من الادعاءات الكاذبة التي أثارتها حركة الافروسنتريك في الآونة الأخيرة، وقد روج لهذه الادعاءات شخصيات أجنبية مشهورة مثل الممثل الأمريكي “كيفن هارت”.
و”الأفروسنتريزم” هي حركة تشكّلت في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، ونحن لم نبالي لها، ويجب أن نعلم أن الموضوع لا يتعلق بالأفارقة فقط، وما يؤكد ذلك ماحدث في اتفاقية كامب ديفيد عندما كان يوقع الاتفاقية، وأشار كامب ديفيد للهرم قائلاً للرئيس السادات “دا بتاعنا”، وعندما بحث الأفارقة عن تاريخهم لم يجدوا شيئًا على الرغم من قولهم أنهم عاشوا في مصر 400 سنة. وعندما لم يفلحوا في اثبات امتلاكهم للحضارة المصرية بدأوا عمل أفلام الهوليوود منذ عام 1937م ليوضحوا أنها من صنع السحر والفضائيين.
وقد استغل الشيخ أنتا ديوب شهرته وبدأ عمل المركزية الإفريقية وكانت بمثابة رد على المركزية الأوروبية، لأن الأوروبيين يقولون أنهم الجنس الآري صانع الحضارة، فبدأ من هنا يحدث خلاف بين الجنسية الأوروبية والجنسية الاسرائيلية، ودخل في الصراع الزنوج وقالوا للأوروبيين إذا كنتم تقولون أن الحضارة الرومانية أخذت من اليونانيه فالحضارة اليونانية أخذت من افريقيا أي من الحضارة المصرية.
ولابد أن يعلم الجميع أن رفضنا لحركةالافروسنتريك ليست عنصرية لأننا لا نرفض لون البشرة أو العرق بل رفضنا يعود لنسبهم حضارة ليست لهم ويعطون لانفسهم فضلا في شيء لم يقوموا به.
هناك عدة أدلة على أن الحضارة الفرعونية هي حضارة مصرية:
١- فعندما نقول للأطفال “تاتا، كركر، كخ” نجد هذه المصطلحات موجودة في اللغة الهيروغليفية.
٢- مقبرة حور محب شمال السرابيوم في منطقة سقارة موجود على جدرانها السودانيين والآسيويين مكبلين بالأغلال مما يؤكد أنهم جاءوا مصر كخدم وعبيد.
٣- حضارتنا امتدت إلى 7000 سنة فأين حضارتهم التي جاءت بعدنا؟!، وإذا كان حديثهم صحيح لماذا لم يبنوا حضارة أخري أينما ذهبوا أليس صانع الحضارة يستطيع صنعها مرة أخري؟
٤- جدارية بمقبرة حور محب تظهر اثنان من الحراس المصريين يمسكون بأسير هكسوسي وبيده الأغلال ليتم عرضه على الملك
٥- مقبض عصا الملك توت عنخ آمون مزين بتمالثين من أعداء الملك، واحد آسيوى والآخر إفريقي، ويقبض الملك عليها رمزًا لإخضاعهم لسلطانه.
ولذلك أثار حفل مطرب الراب الأميركي ترافيس سكوت، والذى كان من المقرر أن تستضيفه منطقة الأهرامات في 28 يوليو ٢٠٢٣، الجدل حول “الأفروسنتريك”، وصلت حد تقديم بلاغات ضده بدعوى دعمه لحركة “الأفروسنتريك”، والحفل ليس الأول من نوعه الذي تثار حوله تساؤلات وانتقادات ترتبط بالحركة، ومدى دلالة منطقة الأهرامات بأفكارها ونشاطها.
فما تعرض له الزنوج من اضطهاد جعلهم كذبا يبحثون لهم عن جذور وتاريخ . وهذه الروافد الفكرية جاءت في الأساس كرد فعل لنظريات التفوق الأبيض العنصري لحرمان الأفارقة وتحديدا السود منهم من أي دور حضاري، بغية تسهيل إخضاعهم والسيطرة عليهم في سنوات الاستعمار.
وأبرز أفكار أسانتي هي: أولا: الحضارة الزنجية
يرى أسانتي أن الحضارة الفرعونية قامت على أكتاف الزنوج الأفارقة. وأن المصريين القدماء في الأساس قادمون من الجنوب الأفريقي، مستدلا بانسياب نهر النيل من الجنوب إلى الشمال. كل العلوم الغربية الحالية مصدرها مصر القديمة، التي يزعم بأنها “أمة أفريقية سوداء” سرقت منها أثينا القديمة ثقافتها وأفكارها ونسبتها إلى الحضارة الغربية. مصر القديمة تعني “كيميت” أي الأرض السوداء. ملوك مصر القديمة كانوا من ذوي البشرة السمراء، أمثال رمسيس الثاني وحتشبسوت.
ثانيا: رفض الديانات السماوية
يرى أسانتي أن الرسالات السماوية لا تمثل ديانات للأفارقة، ويجب الاستغناء عنها،، يدعو إلى الإيمان بالأساطير الأفريقية القديمة .
ثالثا: الأهرامات الزنجية
يرى أسانتي أن حركة التاريخ البشري والحضارة تبدأ من الأهرامات في مصر القديمة، التي يزعم بأن من شيدها هم “الزنوج”
لكن ما المواقف المصرية والعربية من الحركة؟
يبدو لافتا أن منصات التواصل كانت سباقة في السنوات الأخيرة عن المؤسسات الرسمية، في ملاحقة أفكار ورعاة ودعاة “الأفروسنتريك” ومساعيهم نحو إقامة حفلاتهم بمصر. فهناك غياب إعلامى ملحوظ، باستثناء مناظرة باسم يوسف، الإعلامى المصرى المقيم خارج مصر الآن.
رغم أن أكاديميون مصريون متخصصون في الآثار والأنثروبولوجي أبدو رفضهم للأفكارالمطروحة حول الأصل الزنجي لمصر القديمة، مشددين على أن مصر الحديثة خليط من قوميات وحضارات عدة، منها أيضا العرب والأتراك واليونان والرومان وغيرهم.
إجمالا، يمكن القول إن “الأفروسنتريك” تيار يخوض مواجهة على جبهتين، الأولى مع الفكر الغربي التقليدي، الذي يتهمه بالسطو على “الحضارة المصرية القديمة”، والثانية مع مصر التي نسب كل حضارتها الفرعونية إلى السود، مما دعا البعض -خاصة داخل مصر- إلى التحذير من أفكارها.
في تونس أثار الرئيس قيس سعيد جدلاً واسعاً عند دعوته إلى وقف ما وصفه “بالترتيبات الجرمية” لتوطين المهاجرين الأفارقة في بلاده، قائلاً إن الهدف منها تغيير تركيبتها الديموغرافية كـ”دولة عربية وإسلامية”.
في المغرب ظهرت دعوات عنصرية ضد المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها ما يدعو إلى عدم الزواج بالمهاجرين ومنها ما يدعو إلى ترحيلهم. إلا أن حقوق الإنسان مم جانبها رفضت هذه التصريحات واعتبرتها عنصرية
في مواجهة “الأفروسنتريزم”… باسم يوسف يرفض عباءة “البطل الشعبي” ويطالب بـ”تحرك مدروس”
وظهر الإعلامى باسم يوسف، فى مناظرة تلفزيونية مع الإعلامى البريطانى بيرس مورغان، فنّد فيها مزاعم الممثل الأمريكي من أصول أفريقية، كيفن هارت، بأن “أجداده بنوا الأهرامات”، متحدثاً عن سعي “ممنهج” لـ”الاستحواذ الثقافي” على الحضارة المصرية وتصوير المصريين “غُزاة” لا “أصحاب حضارة”.
أن اعتراض المصريين على فيلم “كليوباترا” الذي أعلنت عنه “نتفليكس” أخيراً لا يتعلق بالبشرة البيضاء أو السوداء بل نتحدث هنا عن عملية استحواذ ثقافي والترويج لفلسفة التاريخ التي يتبناها أتباع المركزية الأفريقية (الأفروسينتريزم)”.
وحظى موقف باسم_يوسف بكل التأييد من المصريين حتى ممن اختلفوا معه سابقا ، لكنه صدق حين قال :” أنا غير متخصص ومش حقدر أواجه فلوس كيفن هارت أو كايري إيرفين أو شعبية ريهانا أو زيندايا”. فلابد من التكاتف والدراسة الممنهجة التصدى لهذه الادعاءات.
وأشاد الكاتب الليبرالي سامح عسكر بقدرة باسم على دحض مزاعم “الأفروسنتريك” دون الوقوع في شرك “العنصرية”
ويضيف باسم يوسف: ” قبل ما ننبسط بالانتصارات الصغيرة دي، إحنا بيتم النظر لينا إننا معتدين وسرقنا حضارتهم. الدولة المصرية لو متحركتش تحرك ذكي، النتيجة إننا حنشوف بعد سنتين أفلام ومسلسلات عن الفراعنة وإحنا حنكون ممسوحين منها”
واستفاض: “لازم الدولة ممثلة في وزارة الآثار والسياحة تدفع فلوس لشركات دعاية وتتفق مع علماء مصريات مش بس مصريين لكن أجانب ويتكلّموا في الموضوع ده بعقل وحكمة وبطريقة أكثر علماً ومعرفة مني. أنا مهما عملت مش حقدر أواجه فلوس كيفن هارت أو كايري إيرفين أو شعبية ريهانا أو زيندايا. اللهم بلّغت اللهم فاشهد”.
ولمواجهة مثل هءه الادعاءات لابد من وجود منصه ثقافية تتحد بها جميع الدول العربية لنعرض أفكارنا من خلال الأفلام أو الكرتون وغيرهم، كما أنه يجب الحديث عن السياحة والآثار بكل اللغات، ولابد أن نعمل على تعزيز ثقافتنا لكي يعلم الكبار والصغار ما هي الحضارة المصرية القديمة التي ينتمون لها ولا يستمعون للادعاءات الكاذبة. لماذا لا ندعو لعمل مؤتمر ونأتي بجميع الأفارقه المناصرين لنا والبعثات الموجودة في مصر ونتحدث بموضوعية عن الحضارة المصرية الفرعونية؟
فكم من كريم يبتلى بنوائب ** فصابرها حتى مضت واضمحلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة ** فلما رأت صبري على الذل ذلت .
المزيد من الموضوعات
ندوة أدبية وثقافية بحزب الوفد بطنطا…
اللواء محمد البربري رئيس جهاز الحماية المدنية سابقا و أحد أبرز كوادر حماة الوطن بالغربية في حوار مع وسيط اليوم …
أسامة حراكي يكتب: التراث