ابن زيدون شاعر غنى له عمرو دياب ابياته بعد ٩٥٠ عام من كتابتها
بقلم محسن سمير
كعادته يبدعنا بكل ما هو جديد ولا يستطيع احد توقع أعماله فهو المطرب المتنوع الذى تربع على عرش الغناء فى مصر والعالم العربي لعقود .
فاجأنا النجم عمرو دياب بطرح أغنية والله أبدا وغنى خلالها أبيات من الشعر العربي في مطلع الأغنية للشاعر الأندلسي ابن زيدون.
فمن هو ابن زيدون
هو “أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي” شاعر أندلسي هو من أبزر شعراء قرطبة وإشبيلية في عصره، له قصة شهيرة جمعت بينه وبين شاعرة الأندلس «ولَّادة بنت المستكفي».
وُلد أبو الوليد «أحمد بن زيدون المخزومي» في «قرطبة» بالأندلس عام ١٠٠٣م لأسرة تنتمي إلى بني مخروم، وقد تعلم الأدب والشعر واللغة منذ حداثته على يد أبيه وعلماء «قرطبة» التي كانت في ذلك الوقت منارةً للعلم والفن والأدب والطرب، فحفظ السير والحكم والأمثال والشعر العربي.
اشتهر «ابن زيدون» في مجالس قرطبة الأدبية والاجتماعية بخفة الظل والميل للدعابة ونال شعره شهرة واسعة في المنتديات الأدبية التي كانت النساء ذوات المكانة العالية تديرها، وكان الشعراء يطمعون في مكانة وحظوة لديهن، مثل محبوبة «ابن زيدون» «ولادة بنت المستكفي» التي أفرد لها أروع قصائده وتنافس على الفوز بقلبها مع غريمه «ابن عبدوس».
اشترك «ابن زيدون» في الثورة التي قام بها «ابن جمهور» على آخر خلفاء بني آمية والتي ما نجحت حتى اتخذه وزيرًا له وكاتبًا ولُقب ﺑ«ذي الوزارتين»، ولكن ما لبث أن أوقع المنافسون بينه وبين «ابن جمهور» فعزله وألقى به في السجن وهناك كتب له مجموعة من القصائد والرسائل النثرية يحاول استمالته مجددًا وأن يبرئ نفسه، كما كتب من الأسر أروع أشعاره لاستعطاف «ولادة» ولكن دون جدوى. واستطاع «ابن زيدون» الهرب من السجن حتى احتل «المعتمد بن عباد» مدينة «قرطبة» وضمَّها إلى ملكه فأعاده وزيرًا مرة أخرى. وبعدها أُرسل «ابن زيدون» إلى «إشبيلية» لتهدئة الفتنة التي ثارت فيها واستمر في الإقامة بها.
وﻟ«ابن زيدون» ديوان شعر يتميز بتنوع موضوعاته وسهولة لغته، كما ترك مجموعة من الرسائل التي توضح سمات عصره السياسية والاجتماعية، وقد وصف النقاد شعره بأنه بليغ رغم إيثاره التراكيب الشعرية البسيطة. كما تميز «ابن زيدون» بالبناء التصويري الشعري الذي تبدو فيه الطبيعة والمكان الذي كان يقطن فيه مصورةً بشكلٍ متميز، والبناء الموسيقي الذي اتسم بحسن التقسيم والإيقاعات المتتالية في الأوزان والقوافي.
وقد توفي «ابن زيدون» بعد أن داهمه المرض أثناء إقامته في «إشبيلية» ودُفن بها وذلك في عام ١٠٧١م.
نشأت علاقة بينه وبين ولادة إبنة المستكفي
وكانت شاعرة تكتب على فستانها من الأمام بيتين من الشعر
أنا واللّه أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قُبلتي من يشتهيه
ولكن علاقة الحب لم تثمر، من يزور قرطبة يشاهد في أحد ساحاتها نصبا رخاميا كتب على وجهه الأول بيتين من الشعر لولادة موجهين لإبن زيدون
أغار عليك من عيني ومني
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
وعلى الوجه الآخر بيتين لإبن زيدون موجهين لولادة
يا من عذوت به في الناس مشتهرا
قلبي يقاسي عليك الهم والفكرا
إن غبت لم يبقا إنسان يؤانسني
وإن حضرت فكل الناس قد حضرا
هذه الأبيات كتبت بماء الذهب باللغتين العربية والإسبانية
تنوّع شعره فكتب في الغزل العفيف وفي الرثاء والفخر، ووصف الطبيعة، حيث كان لنشأته في مدينة قرطبة التي اشتهرت بطبيعتها الرائعة دورٌ في إبداعه في هذا المجال، كما امتاز شعر ابن زيدون بطول القصيدة وكثرة الفنون الشعريّة التي اتبعها، فكان من أبرع شعراء عصره.
فقد جاءت قصائده في المدح والغزل طويلةً، وثانيهما كثرة الزخارف الشعرية والصور البيانية والمحسّنات البديعية، فجاء شعره شبيهاً بشعر البحتري، ورغم تأثر ابن زيدون بالمشارقة إلا أنّه ظلّ محتفظاً بشخصيته المميزة في شعره واهتمامه بإبراز ذاته في أعماله الشعرية.
الأغراض الشعريّة
الغزل: كان لعشق ابن زيدون لولادة، وحبه الشديد لها وتعلق قلبه وأحاسيسه بها، دور كبير في إشعال نفسه وإكسابها شاعرية خصبة، لذا ترجمت ما في صدره من مكنون الحب والوفاء إلى شعرٍ عذبٍ وإبداعٍ لا حدود له في شعر الغزل، فتنوعت أشعاره ما بين الشكوى والحنين والعتاب والهجر وما إلى ذلك مما تفيض به نفس الشاعر العاشق من مشاعر.
الشكوى: للشكوى النصيب الأكبر من قصائد الغزل في شعر ابن زيدون، والتي امتازت مثل باقي أشعاره بالسهولة والعذوبة والموسيقى والمشاعر الغزيرة، فيقول في إحداها: كم ذا أُريدُ وَلاَ أُرادُ؟ يا سوء ما لقِيَ الفؤادُ
العتاب: أما العتاب فيحتل المرتبة الثانية في شعر ابن زيدون ويقول في إحدى قصائده: أيوحشني الزمان وأنت أنسي ويظلم لي النهارُ وأنت شمسي
الحنين والشوق: تفيض قصائد الحنين والشوق في شعر ابن زيدون حباً وحنيناً، ويقول في إحداها: متى أبثّكِ ما بي يا راحتي وعذابي متى ينوبُ لساني في شرحه عن كتابي
الهجر: إنّ قصائد الهجر في شعر ابن زيدون مرتبطة بحبيبته ولادة، فمعظمها تتحدث عن هجرها له، فيقول في إحداها: يا نازحًا وضميرُ القلب مثواهُ أنسَتْكَ دنياك عبدًا أنت دنياهُ.
الفراق: يقول ابن زيدون في الفراق: لحا اللهُ يومًا لستُ فيه بملتقِ مُحيَّاكَ مِن أجل النَّوى والتَّفرُّقِ وكيف يطيبُ العيشُ دُون مسرةٍ؟ وأيُّ سُرورٍ للكئيب المؤرَّق
الاعتذار: يوجد مقطعة واحدة في الاعتذار في ديوان ابن زيدون يعتذر فيها لحبيبته بسبب ضربه لها فيقول فيها: إن تكن نالتكِ بالضرب يدي وأصابتك بما لم أُرِد فلقد كُنتُ -لعمري- فاديًا لك با لمال وبعض الولد .
الوصال: تناول ابن زيدون لذّة الوصال في مقطعة قال فيها: سري وجهري أنني هائمُ قام بك العذرُ فلا لائمُ
البكاء: قصيدة (أضحى التنائي) هي من أشهر البكائيات في الشعر العربي، وهي التي جعلته أشهر شعراء الغزل في عصره، وفيها يذوب أساً وألماً على فراق ولادة وحبل الوصال الذي قُطع بينه وبينها، وقد استهلها بقوله:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وهذه هى القصيدة التى استعان عمرو دياب ببعض ابياتها فى أغنيته والله ابدا.
المديح: أبدع ابن زيدون في قصائد المدح التي وجهها إلى ابن جهور وابن عباد وغيرهم من الملوك والأمراء، كقوله: ونهجك سبل الرُّشدِ في قمع منْ غوى وعدْلك في استئصال مَن جار واعتدى
الإخوانيات: إنّ قصائد الإخوانيات عند ابن زيدون متنوعة المواضيع، فمنها ما هو عتاب ومنها ما هو اعتذار، أو طلب استشفاع أو شكر، ومنها ما هو دعابة، كقوله ممازحاً أبا عبد الله البطليوسي: أصِخْ لمقالتي.. واسمعْ وخذ فيما ترى.. أو دع وأَقْصِرْ بعدها أو زِدْ وطِرْ في إثرها أو قَع .
الرثاء: تعددت قصائد ابن زيدون في الرثاء، فمنها ما هو رثاءٌ خالص ومنها ما خالطه المديح كقوله: هو الدهرُ فاصبر للذي أحدث الدهرُ فمن شيم الأبرار -في مثلها- الصبرُ الحبسيات: تنوعت مواضيع الحبسيات في شعر ابن زيدون كذلك، فمنها الغزل والمديح والحنين، والتي جمعها مع بعضها موضوع أساسي، ألا وهو سجنه ومعاناته فيه ورغبته الملحّة في الخروج منه، وهذه إحدى قصائد السجن التي استهلها بالغزل:
ما جال بعدكِ لحظي في سنا القمر إلا ذكرتُك ذِكْر العين بالأثر الوصف:
إنّ جميع قصائد ابن زيدون احتوت على الوصف، فهو يصف الحبيبة ويصف حاله معها، ويصف الخمر، ويصف الممدوح، لكن أيضاً توجد له قصائد تختص بالوصف وحده كقوله في وصف نزول المطر على شاطئ النهر:
كأنّا عشيَّ القطر في شاطئ النهر وقد زهرت فيه الأزاهر كالزُّهر الخمريات: يوجد لابن زيدون ثلاث مقطعات فقط في الخمريات، فقد بدأ حياة القصور في بلاط ابن جهور الذي لم يكن ممن يتعاطون الخمر، كما أنّ انشغال الشاعر بهمومه الخاصة صرفته عن حياة اللهو والترف خاصةً بعد هجر حبيبته له، فيقول ابن زيدون واصفاً ليلة من ليالي الأنس والبهجة في حدائق إشبيلية وهو يشرب الخمر مع أصحابه: وليلٍ أَدْمنا فيه شُرْبَ مدامةٍ إلى أن بدا للصبح -في الليل- تأشيرُ وجاءت نجوم الصبح تضربُ في الدُّوجى فولت نجومُ الليل والليلُ مقهور الحنين إلى الوطن: لم يكتب ابن زيدون في الحنين إلى الوطن سوى أرجوزة واحدة وهو في مدينة بطليوس جاء فيها:
يا دمعُ صُب ما شئت تَصُوبا ويا فُؤادي آنَ أنْ تذوبا إذِ الرزايا أصبحت ضروبا المطيرات: هو فن ابتكره ابن زيدون وهو نوع من النظم يقوم على الألغاز والأحاجي التي تدور حول أنواع الطيور، ويكون في القصيدة بيت أو بيتين فيهما مفتاح اللغز، حيث يدل كل حرف على طير من الطيور، وعلى الشاعر الآخر أن يرد بقصيدة يذكر فيها البيت المجهول الذي يحتوي على حل اللغز، لكن يبدو أن هذا النوع من الشعر لم يستهوي الشعراء لذا مات بموت ابن زيدون.
أغنية “والله أبدا” تمثل نقلة نوعية جديدة في شكل الموسيقى والأغاني التي يقدمها عمرو دياب في صيف 2023، وهي من كلمات ولحن عزيز الشافعي بالإضافة الى أبيات من الشعر العربي للشاعر الأندلسي ابن زيدون، وتوزيع عادل حقي وميكساج وديجيتال ماستر أمير محروس وتصوير فوتوغرافي كريم نور.
وتقول كلمات الأغنية في مطلعها من أشعار ابن زيدون
والله ماطلبت أهوائنا بدلا
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
المزيد من الموضوعات
ندوة أدبية وثقافية بحزب الوفد بطنطا…
اللواء محمد البربري رئيس جهاز الحماية المدنية سابقا و أحد أبرز كوادر حماة الوطن بالغربية في حوار مع وسيط اليوم …
أسامة حراكي يكتب: التراث