في المقال السابق “عبودية التفكير” تحدثنا فيه عن حرية التفكير وكونه لا يكون تفكيراً قيماً بحق إلا إذا كان موضوعياً وحراً، وأنه متى كان الرأي عبداً للمشاعر والعواطف المتقلبة وصادراً من مصالح شخصية، فإنه لا يستحق مجرد النّظر والتدقيق فيه، فما هو إلا صدى أهواء فاسدة ومِزاج سَقيم هدفه المصلحة الشخصية العاجلة، وإن كان يلبس في الظاهر لباس الصالح العام والمنفعة المجتمعية.
ومن البديهي أن الآراء تختلف لأن الله عز وجل لم يخلق البشر على نَسقٍ واحد وإدراك متماثل وفهم متطابق، فلكل منا آراؤه الخاصة التي قد تتطابق مع آراء الآخرين أو قد تختلف، وطبعاً أقصد هنا بالاختلاف في الرأي ذلك الاختلاف القائم على الاجتهاد والبحث الصادق للوصول إلى الحق والصواب، أما الاختلاف النابع من التعنت والمكابرة وتخطئة الطرف الآخر بغض النّظر عن الصواب فيما يقوله، فهذا لا يُسمى أصلاً اختلافاً في وجهات النظر بل هو عبثٌ وفوضى يتنطع به أنصافُ المتعلمين فضلاً عن الجهلاء.
فلا أحد يملك الحقيقة كاملةً، ولا أحد استحوذ على كل العلوم والمعارفِ، وهناك مساحاتٌ شاسعة في كل المجالات المعرفية تكون مجالاً واسعاً للبحث وطرح الآراء المختلفة والمتباينة، ولطالما كان تعدد الآراء ثروةً معرفيةً تزيد من رصيد العلوم المختلفة ودقتها في الكشف عن الحقائق ومعرفة الخطأ من الصواب، بل وكانت تشكل إلهاماً متجدداً وحافزاً متقداً لطلاب العلوم لمزيد من الاجتهاد بالتدقيق في الآراء وفهمها والترجيح فيما بينها واختيار الأصوب والأصلح.
ولكن يحدث عند البعض أن صدورهم تضيق بالرأي الآخر ولا تتسع عقولهم لغير أفكارهم الخاصة، فالحق عندهم هو ما يعتقدون، والصواب لديهم هو ما يرون، فآراؤهم حقٌّ لا يحتمل الخطأ، وآراء الغير خطأ لا يحتمل الصواب.
وليت الأمر يقف عند هذا فقط، بل يكبر في نفوسهم إلى درجة التباغض والشّحناء ليصل إلى العداوة مع المخالف لهم، إلى درجة قد يصل بها إلى رمي الأخرين بتهم الكفر إذا كان الخلاف في مسألة دينية، أو التخوين والعمالة إذا كان الخلاف في مسألة وطنية أو اجتماعية.
فمن يتكلم باسم الله زوراً ونفاقاً قد يرميك بالكفر والردة (الارتداد عن الملة) والخروج من الدين لمجرد أنك تناقشه في مسألة هي بحد ذاتها مسألة اجتهادية وليست قطعية.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…