أسامة حراكي بكتب: طالب الستر

طالب الستر

عرفناه عالماً وفلكياً واديباً وفيلسوفاً ومفكراً، في كل مجال له عطاء، وفي كل محطة له تراث وبحوث ومقالات وبرامج تلفزيونية وكتب، عندما نقرأ له ومن خلال تدبره في معاني القرآن الكريم ينفتح لأذهاننا كنز من المعرفة، ولم يكن ذلك دوره الوحيد في الحياة حيث كان صاحب أدوار انسانية من خلال مشاريعه واعماله الخيرية.

انه العالم الجليل الدكتور مصطفى محمود الذي تحل ذكرى رحيله، حيث رحل عنا في 31 اكتوبر عام 2009، ولد عام 1927 بطنطا وعاش بجوار مسجد السيد البدوي مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته، درس الطب وتخرج عام 1953 اشتهر بـ”المشرحجي”، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما، وتخصص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث العلمي على سطح مسجد، يختلي بنفسه ويتأمل النجوم الساطعة من خلال “تلسكوب”وينظر إلى عظمة الله حيث كل نجمة تخفي اسراراً كثيرة.

ألف89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة، من مؤلفاته: الإسلام في خندق ـ على حافة الإنتحار ـ زيارة للجنة والنار ـ الله والإنسان ـ القرآن كائن حي ـ حوار مع صديق ملحد ـ رحلتي من الشك إلى اليقين ـ اينشتين والنسبية …

من أبرز كتاباته التي تعرضت لحقيقة إسرائيل : إسرائيل البداية والنهاية ـ الغد المشتعل ـ المؤامرة الكبرى ـ على خط النار ـ ألعاب السيرك السياسي ـ وفيها تناول علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ونهايتها الحتمية.

عندما عرض على التلفزيون مشروع برنامج العلم والإيمان، وافق المسؤلين ولكن بـ 30 جنيه للحلقة، ففشل المشروع منذ بدايته إلا أن أحد رجال الأعمال أنتج البرنامج على نفقته الخاصة ليصبح من أشهر البرامج التلفزيونية وأوسعها انتشاراً على الإطلاق، وما زلنا نذكر موعد الحلقة الساعة التاسعة من يوم الإثنين ومقدمة الناي الحزينة في البرنامج وافتتاحيته (أهلاً بيكم) والذي قدم منه 400 حلقة.

تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه “الله والإنسان” وطلب عبد الناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر، إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب, بعد ذلك أبلغه السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى، واتهم بأن أفكاره وآراءه السياسية متضاربة إلى حد التناقض، إلا أننا لا نرى ذلك، وهو ليس في موضع اتهام، حيث أن اعترافه بأنه كان على غير صواب في بعض مراحل حياته هو طريق من طرق الشجاعة والقدرة على نقد الذات، وهذا شيء يفتقر إليه الكثيرون ممن يصابون بالجحود والغرور، مما يصل بهم إلى عدم القدرة على مواجهة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم.

وأنشأ عام 1979 مسجد المحمود بحي المهندسين في القاهرة، ومعروف بـمسجد مصطفى محمود ويتبع له ثلاثة ‏مراكز‏ ‏طبية‏ تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، ‏وشكل‏ ‏قوافل‏ ‏الرحمة‏ ‏من‏ ستة عشر ‏طبيبًا‏، ‏ويضم المركز‏ أربعة ‏مراصد‏ ‏فلكية‏، ‏ومتحفاً ‏للجيولوجيا‏ و‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الصخور‏ ‏الجرانيتية،‏ ‏والفراشات‏ ‏المحنطة‏ ‏بأشكالها‏ ‏المتنوعة‏ ‏وبعض ‏الكائنات‏ ‏البحرية‏.

في عام 2003 اصيب بجلطة بالمخ اعتزل على اثرها الكتابة حتى افتقدناه، كتب في احدى مقالته: “لم تكن امي تفهم الفلسفة، ولكنها كانت تملك فطرة نقية تفهم معها مثل هذا الكلام، وكانت تطلق عليه اسماً بسيطاً معبراً هو الستر، والستر في القاموس الشعبي القليل من كل شيء والكثير من الروح، وانا بعد كل خبراتي وقراءاتي، لم اجد افصح من هذه الكلمة البسيطة”الستر”ولهذا اطلبه لك ايها القارىء، كما كانت امي تطلبه لي، وارى اني بهذا قد طلبت لك كل شيء”. 

فنتوجه له بالدعاء ونسأل الله عز وجل أن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم اهله واصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان.