الأطفال واللعب
من المعروف أن الأطفال في عمر السنة يبدأون في اكتشاف العالم بطريقتهم الخاصة، أي التنقيب بكل ما يحيط بهم باستمتاع، وإذا ما جمعنا بين الفضول عند الطفل الصغير والرغبة في الاستقلال، يمكن أن نتخيل حجم الفوضى الناجمة عن ذلك، قد تكون الفوضى في اللعب مفيدة للأطفال أحياناً، لكن ذلك لا يعني السماح لهم بأن يكونوا متهورين في تصرفاتهم، لذا على الأباء تحديد طريقة لعب الأطفال، لكن من دون التأثير في تطورهم ونموهم، مع مراعاة أن اللعب الفوضوي يساعد على تحفيز وتطوير مهارات الأطفال وعلى التناغم بين اليد والعين.
بعض الأطفال يحبون الرسم على الجدران، فإذا أعطي للأطفال الصغار أقلام تلوين ربما يحدثون أضرار جثيمة، ومع ذلك من المهم تركهم يخربشون ويشخبطون ويرسمون كما يحلو لهم وقتما يريدون، لأن ذلك يساعدهم على أن يصبحوا خلاقين ومبدعين، فالبراعة في استعمال اليد والعقل في الرسم، تساعد الأطفال على تعلم الكتابة بسرعة، فعلى الأباء إعطاء أطفالهم أوراق ليرسمون عليها بدلاً من الرسم على الجدران، وإن لم يتوقفوا عن ذلك فعليهم أن يوضحوا لهم بلهجة حازمة أن ما يقومون به عمل غير مقبول، وأن المكان الوحيد الذي يستطيعون الرسم عليه هو الورق فقط، ثم عليهم الطلب منهم مساعدتهم في تنظيف الجدران، حتى وإن كانت مشاركتهم بسيطة.
وعنما يكبرون قليلاً يجب على الأباء عدم نهرهم لكثرة اللعب، فكل المخلوقات الحية من بشر وحيوانات تحب اللعب، ومع أن اللعب يختلف من جنس إلى آخر، وبين ثقافة وأخرى وجيل وآخر، يبقى عالمي يشترك فيه جميع البشر، وللأسف بعض الأباء يعتقدون أن اللعب مضيعة للوقت، بما أنهم يربون أطفالهم حتى يتمكنوا من دخول عالم المنافسة، حيث البقاء والنجاح من نصيب الأكثر ذكاءً ونشاطاً، لذى فإنهم يتساءلون عما إذا كان من الأفضل استغلال الوقت الذي يمضيه الأطفال في اللعب في أمور أجدى، لكن بالنسبة للأطفال الصغار ليس هناك ما هو أجدى من اللعب، لأن الفائدة التي سيجنوها من اللعب تفوق ما يحققونه من الدروس، فاللعب يفسح في المجال أمام الأطفال لأن يكونوا ذات سلطة مطلقة، فأثناء اللعب ينسى الأطفال أنهم صغار وبلا حيلة، ومن دون تدخل الكبار يستطيعون التصرف بشكل طبيعي.
اللعب يساعد الأطفال على التعرف إلى العالم الذي يحيط بهم، فمن خلال اللعب يستطيع الأطفال الاستقصاء والاكتشاف مثل اختيار بعض النظريات والتعرف إلى الأشكال والألوان، واكتشاف السبب والتأثير والعلاقات الاجتماعية والقيم العائلية، فالأطفال أثناء اللعب ممكن أن يكون الفرد منهم طبيب أو مهندس أومعلم أو ضابط أو عامل أو مزارع أو فنان أو موسيقار، فاللعب فعلياً يغطي كل جوانب الحياة، لذا يمكن تعلم وإدراك كل شيء عن طريقه.
اللعب يبني الثقة بالنفس، فالأطفال يميلون إلى الاشتراك في لعب ما يبرعون فيه، وهو المجال الذي يوفر لهم الشعور بالنصر، ومن المُسلم به أن الأطفال هم من يضعون قواعد اللعب، وهذا يزيد من فرصهم في الفوز، ومن غير تدخل الأباء يستطيع الأطفال أن يجربوا ويفشلوا، ثم يعيدوا المحاولة من دون الشعور بأي حرج.
اللعب يبني المهارات الاجتماعية، إذ أنه يكسب الأطفال الصغار المهارة الاجتماعية قبل أن يصبح اجتماعياً بوقت طويل، وبما أن رفاقهم في البداية هم ألعاب لا تخيفهم ولا تشكل عليهم خطراً، تكون هي الأدوات التي يمارس من خلالها الأطفال مهارات التفاعل والتشارك مع الغير، ويتعرفون إلى حقوقهم وحقوق الآخرين، كما أن اللعب مع الأهل فيما بعد يعزز المهارات الاجتماعية ويقويها.
اللعب يمنح الأطفال الفرصة للتغلب على انفعالاتهم من غضب وخوف وحزن وتردد، كما أنه يساعدهم على تطوير لغتهم، إذ أنه أثناء اللعب يستعمل الأطفال عدد كبير من المفردات، يكررون معظمها مراراً أثناء ذلك، فيزيد عدد الكلمات التي يتعلمها الأطفال، ما يعزز قدرتهم على الكلام.
اللعب يوسع آفاق الطفل فيبدو أكبر من سنه، فكل ما لا يستطيع الطفل القيام به في الحياة الحقيقية، يمكن أن يقوم به أثناء اللعب، كالقيام بدور الأباء أو شخصيات أخرى، وقيادة السيارة أو السفينة أو الطائرة، فهذا النوع يرفع من معنويات الأطفال ويزيد من ثقتهم بأنفسهم، ويعرفهم إلى العالم ويساعدهم على التأقلم مع الآخرين.
اللعب يولد الإبداع والخيال، فبناء بيوت من الرمال والطين أو المكعبات، أو ارتداء ملابس الأم أو حذائها عالي الكعبب أو حمل حقيبتها، أو حمل حقيبة الأب ولبس نظارته، كل ذلك يساعد على توسيع حدود عالم الأطفال واختبار السعادة، عند تحول ما كان خيالاً إلى الواقع.
اللعب يساعد على تطوير مهارات الأطفال في استخدام أيديهم وأصابعهم، كما يساعد على التناسق بين أيديهم وعينونهم، فخلال اللعب يستخدم الأطفال أيديهم وضع أو تشكيل قطع معاً، لرسم الصورة المطلوبة، فاللعب بالنسبة للأطفال هو عمل يمنحهم القوة والثقة بأنفسهم ويوسع مداركهم، فالوقت الذي يمضيه الأطفال في اللعب هو وقت مُستغل جيداً وليس وقتاً ضائعاً، لذا واجبنا أن ندعهم يلعبون.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين