ما الذي يجعل من الأشياء أقرب للكذب؟
ما أعلم شيئاً أشد كرهاً على نفس العاقل من سماع مبالغة الجاهل في تقدير الأشياء، ووصفها بطريقة غوغائية لا يقصد منها سوى إثبات وجهة نظره ولو كانت بالمبالغات المضحكة، فالمبالغة في حياتنا وصلت إلى مرحلة لا تكاد تصدق في وصف الأشخاص والأشياء والمواقف والأحداث، فهذا تراه يمدح شخصاً إلى درجة العصمة تارةً والألوهية تارة أخرى، وهذا يهول من تقدير الأحداث إلى درجة أنه سيدعي قريباً قدرته على معرفة الغيب والاطلاع على مكنونات الصدور وخفيايا النفوس.
ففي عصرنا الحالي لم يعد يكتفي البعض بالكذب، بل أصبحت المبالغة في الكذب عنواناً للكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الإذعات والمجلات والشخصيات العامة والمشهورة، وقد نصادف كثيراً من هؤلاء المبالغين بشكل يومي في حياتنا اليومية والاجتماعية، فقد مضى زمن الخوف من الكذب والحفاظ على المصداقية في الكلمة والموقف، وأصبح الكثيرين يغوصون في بحار الزور والدجل إلى درجة تخدير العقول وقلب الحقائق بطريقة بشعة، وحين ننظر إلى مبالغات الكثير من الناس سنجدها استغباء لعقول من حولهم، ومحاولة لفرض هيمنتهم الفكرية والترويج لآرائهم بأي أسلوب، ولو كانت عبر أي سبيل منحرف مخالف لقواعد العقل السليم.
إن المبالغة تجعل من الأشياء أقرب للكذب حتى ولو كانت حقيقة، وتجعل الأحداث موضع شك واتهام حتى ولو كانت صادقة وواقعة، فالمبالغة ضررها أكثر من نفعها وسوؤها أشد من خيرها.
وتبقى الحقيقة بواقعيتها أكثر قبولاً لدى العاقل الذي يريد أن يعرف الأمور كما هي، حتى ولو كانت أحياناً مؤلمة بحد ذاتها، لأن قبول المبالغات وتصديقها وعدم التحقيق والتدقيق فيها هو إهانة لعقل الإنسان من جهة، وتعطيل لملكة التفكير والنقد التي أكرمه الله بها.
ويحضرني هنا قول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه حين قال منبهاً: “حدثوا العاقل بما لا يعقل فإن صدق فاعلموا أنه لا عقل له”.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…