أسامة حراكي يكتب: حكايات لا تنتهي
كان يجلس على المقعد وحيداً يدقق في وجوه المارة ويراقب ألوان الزهور التي في أيديهم، لولا الوفاء لتلك الحكاية وتلك المرأة لربما كان الآن بصحبة زوجة وأطفال تقترب قامتهم من قامته، لكن بعض الوفاء ظالم، عاش بعدها حكاية خضراء رائعة الطقوس والتفاصيل وجد فيها كل شيء فقده بعدها إلا نفسه، فالحياة تغير أدوارنا حسب الأبطال وشخصياتهم في الحكايات، لهذا نحن نؤدي دور الملوك في بعضها، ودور المماليك في بعضها الآخر، لكنه لم يندم على حكاية منحته دور البطولة وكان فيها ملكاً، فنحن ملوك فقط في حكاياتنا الجميلة.
منذ البداية كان يتصور أن حبها سيزول من قلبه مع مرور الأيام، كان يتصوره مطراً سيتوقف وينقطع لكنه كان سيولاً أغرقته، مازال ذلك الحب في قلبه وذكراه تحيطه، لو كان لقلبه لسان لتكلم وأفشى ما بداخله من أسرار، أسرار تكشف أحلامهما التي كانت مثل الشراع ، وحبهما السفينة التي أبحرت داخل بحر الحياة، ولكن رياح القدر كانت أقوى من كل شيء، وسقط الشراع وتاهت السفينة، فأين هي لتمحو أثر ما كان لتعلن من جديد انها تحبه، فبعد كل جرح كان ينام، وبعد كل نوم يستيقظ شخصاً آخر، فهزات الخذلان كانت تنسفه وتغير به الكثير.
كان النهار في أخره والضوء ينساب في خفوت، ولسعة الخريف تدعو إلى التماس الدفء، جلس أمامه شاب وفتاة لفتا نظره، مر بهم بائع الأزهار فأشترى الشاب للفتاة زهرة ووضعها في شعرها، امتدت يد الشاب وأمسك بكف الفتاة وراحا ينظران إلى النيل ويسمعان همسه، وبدا قلبه كأنه ينصت لإرتعاشات قلبهما، الفتاة تسمع دقات قلب الشاب وهي على صدره، والشاب يجاهد أن يسمع دقات قلبها، يعلم أنها تحبه ويدركان عجزهما عن حماية حبهما. بعد فترة من حديثهما استلت الفتاة كفها من بطن يده وتنهدت، أنفاسها حملت صهداً كالحريق، فنظر إليها، ونزعت الزهرة من شعرها وخطت نحو النيل وألقت بها ومضت.
فقرر أن يتدخل ويعيد الماء إلى مجراه، قال للشاب: هي الآن كالطير الصغير الذي يتعلم الطيران، ويجب أن تكون بجوارها حتى لا تسقط من أول محاولة لها، يجب أن تتمسك بها حتى لا تتعثر، وطلب منه أن يلحق بها واستجاب الشاب لنصيحته.
وهو في مقعده ساكناً مبهوتاً، راحت عيناه تراقبان النيل، وشق الماء قارباً ماراً فتماوج، كانت الزهرة تتماوج مع الموج تغيب وتظهر، فتخيلها حبيبته حين تغيب، يشعر بأن روحه تنسحب منه، وحين تظهر تعود له، وشدت نظره وهي تقاوم الموج كأنها تتحداه، وظل يراقب المشهد، وبكى حين رأى الموج يطوي في قبضته الزهرة الجميلة، كأنه يعتصرها عصراً حتى اختفت، وتألم أن يكون للماء مثل هذه القبضة القاسية، وكما تغرق الأحلام أغرق النيل حلمه.
حكاية ترمم كسور حكاية، وبشر يعيدون بناء أطلال بشر، فالحكايات لا تتوقف أبدا.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين