عمر الشريف يكتب: مفتش انتربول في باريس
في يوم من الأيام وصلت باريس وكنت أبحث عن فندق وهبته سعادة وصولي الأول إليها في الحلم، ولقد وجدته أخيراً، هذه درجاته وهذا بابه، هنا أنزلتني سيارة الأجرة ودفعت لسائقها ما لست أدري، وحملت حقيبتي وجئت بجرتي ليملأها موظف الاستقبال بذهب الترحيب والتشجيع.
في الصباح خرجت أبحث عن مطعم كنت قد جربته من قبل في الحلم ولي فيه ذكريات جميلة، ذهبت إلى المكان ابحث عنه وأنا اتلفت حولي في لحظة تنوير جريئة، أكتشفت أن وقفتي كانت في “زنقة” أخرى، قبالة مطعم لا علاقة له بالذي أغرقه بتأوهات الذكريات، وكأني وقفت على جفن الصدى وهو نائم، ولم يكن وجهي واضحاً وَلا ثغري باسِم.
فوجدته مطعم لأكلات لبنانية، قيل لي أن مهاجراً لبنانياً افتتحه، دخلت المطعم ووجدت أثاثه عادي كأنه مطعم شعبي، لا أثر فيه للشخصية اللبنانية الأنيقة، وكي لا أظلم صاحبه فقد كانت هناك فسقية قربها طاولة خشبية عليها صينية وكؤوس من الفضة، وبالفعل تبدو عليها الزخارف اللبنانية المميزة.
اقتربت من الفسقية فإذا هي “بلاستيك” وتفحصت الصينية فإذا بها صينية بلاستيك أيضاً صنعت في الصين، وهي تقليد للزخارف اللبنانية.
جلست وكنت أتوقع على الأقل أن يكون صاحب المطعم دمث الأخلاق مثل طبيعة الشعب اللبناني الجميل، فوجئت بعملاق سمج يأتي ويحدثني بالفرنسية التي لا أجيدها، أجبته بالإنجليزية فتحدث معي بالإنجليزية، لم يبدي أي ابتسامة ودية أو محاولة للترويج لمطعمه، بل أعطاني قائمة الطعام وتمتم بعض الكلمات عن الأكلات، هنا قررت أن أكسر الرتابة فالدنيا صباح وأحتاج إلى وجبة خفيفة، فقلت له بعربية حاولت أن تبدو بلكنة لبنانية: “عطيني منقوشتين وحدة جبنة والتانية زعتر مع كاست شاي”.
ألتفت كمن لدغته حية.. أنت عربي؟
لا أدري أي شيطان تلبسني وقلت له نعم، وأنا اعمل مفتشاً في الانتربول.
فجأة تغيرت المعاملة وانفرجت أساريره، ووضع أمامي كأساً من الشاي وسلة معجنات كاملة لأنواع المناقيش، كان يبدو عليه الاضطراب، فلا شيء يرعب مجرماً هارباً أكثر من هذه الجملة.
فجأة صدح صوت السيدة فيروز بأجمل أغانبها، وعرفني باسمه وأنا متأكد أنه اسم اخترعه في التو واللحظة.
عندما انتهيت من الافطار تقاضى ثمنه بعد تمنع، فامعنت في تمثيل الدور وقلت له: أنا في عمل رسمي لذلك أرجو أن تعطيني إيصالاً موقعاً لأنني يجب أن اثبت نفقاتي.
هنا أخرج حزمة نقود من جيبه وقال لي مساهمة من أخوك في تأدية عملك، كان يتصبب عرقاً وخفت أن يرتكب حماقة اذا تماديت أكثر من ذلك، فغادرت المطعم وفي ذهني أكثر من سؤال.
اتصلت بصديق لي يعرف كل مطاعم باريس، قال هذا منفذ لبيع المخدرات ولا انصحك بالعودة إلى ذلك المطعم، لأن ليس كل مرة تسلم الجرة يا حضرة مفتش الإنتربول “يخرب عقلك اد ايه انت حشري”!
ويرن الهاتف النائم قرب الوسادة، فأقوم إلى موعدي المبكر مع زملائي، لنذهب معاً إلى رحلة البحر المتفق عليها، وأنا أقول: اللهم اجعله خيراً، فلم اسافر لباريس من قبل، ولكن في طريقنا للبحر ونحن في الحافلة كان بعض أصدقاءنا يغنون بالفرنسية التي يجيدونها.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين