أسامة حراكي يكتب: القراءة إكسير الحياة

القراءة إكسير الحياة

هناك كتاب يفتحون ذائقة القراء على مداها من خلال ما يحولوه في كتاباتهم بمقاربة الأسطورة بأسلوب إبداعي فذ، ولا شك في أن الأسطورة حين تأتي في الزمن الحاضر من خلال النص الإبداعي، تقدم الكثير من المعرفة المتجددة، ومن يهتم بها سيتعرف أكثر بما تُسهم وأسمهت به الأساطير في تأصيل المشهد الثقافي.

أولي اهتماماً لكل ما قد يسهم في حفز دافع المعرفة في ذاتي، وإذا كان ذلك يتطلب قراءة كتاب بكامله فلا مانع لدي، وأحب الكتب الأدبية وافضلها عن سواها في موضوعات شتى، وخصوصاً حين تكون هذه الموضوعات على دراية بتفاصيل الذات الإنسانية، وحكاياتها وتفاصيلها التي تخاطب كل الأذواق والأفكار.

فقراءة أي معلومة مهما كانت بسيطة وعابرة، تشكل جزءاً من تجربتنا كبشر، ومن نتاجنا الواعي وغير الواعي، لأن افكارنا على حقيقتها ليست إلا إعادة إنتاج لصوغ أفكار كل السابقين، وحصيلة تراكم خبرات الآخرين، فلا وجود لما يتولد من ذاته، بل من وجود كتابات متتابعة ومتراكمة، هي مجرد إشارة إلى أقوال من سبقونا من الكتُاب.

فالقراءة بالنسبة لي كسلة الخضار ومطبخ البيت والسرير الذي أنام عليه، قرأت الكثير وحفظت الكثير، أحببت كتب التاريخ بشكل خاص وجذبتني القراءات السياسية والكتب التي لها علاقة بثقافة الدفاع عن الحقوق، وبحكم سفري المستمر والتنقل بالطائرة لمسافات طويلة، صار الكتاب رفيقي الدائم وأصبحت أشعر بأن شيئاً ينقصني حين يكون الكتاب بعيداً.

القراءة لها سحرها الخاص الذي لن تستطيع شبكة الإنترنت وغيرها من محوهُ، فالقراءة تمنحنا قيمة فكرية وثقافية لا يمكن لأي نشاط آخر أن يمنحه لنا، فأن تكون قارئاً بلا كتاب أفضل بكثير من أن تكون كاتباً بلا قراءة، فالقراءة زاد الكاتب ولكي يكمل طريقه بقوة، فلا بد ان يحرص على الإكثار من زاد الطريق، وحياة الإنسان لا تقاس بالأيام أو السنوات، وإنما بمقدار ما يمتلكه من المعرفة والخبرات، وليس هناك سبيل لطريق المعرفة سوى القراءة.

القراءة طقسٌ وحالة، مزاجٌ فكريٌّ وروحيٌّ يعتاده الإنسان كما تمارين رياضته الصباحية، روتينٌ مثمرٌ يبدأ في البيت ولا ينتهي في المدرسة أو الجامعة، فالقراءة هي العلم والمعرفة، وهي التي تفتح أمامنا طرق العيش والتفكير وتعرفنا إلى عوالم جديدة وإلى طبيعة البشرية والثقافات الأخرى، فليتنا نقرأ ونتثقف ونغذي فكرنا وروحنا لننجح في حياتنا ونميز في أي مضمار نخوضه.

والنخب التي تقود المجتمعات لا بد أن تكون قارئة، فالأمم التي تسنى لها أن تتقدم على سواها، نجحت لأن قادتها من النخب المتعلمة والمثقفة وصناع القرار فيها، يدركون أهمية البحوث العلمية والفكرية ويعلون شأن مراكز الأبحاث والدراسات، أما في بلادنا فكثير منهم لم يقرؤوا كتب غير المقررات الدراسية “ده إن كانوا قرأوها أصلاً” لذا لا بد للنخب التي تقود المجتمعات من التثقيف إلى جانب التعليم، لأن ليس كل من نال شهادة جامعية أصبح مثقفاً، وكما يقال العلِم في الصِّغر كالنقش في الحجر ومَن شبَّ على شيء شابَ عليه، لذا من المُلحّ تعويد الأطفال على القراءة، وإفهامهم أن الكتاب ضرورة لا مجرد ترف أو من الكماليات، وكلما قرأتَ كتاباً فتحتَ باباً من أبواب الدنيا، وكلما تعرّفتَ إلى كاتب دخلتَ بستاناً أو حديقة، والمكتبات الكبيرة تكون رئة هامة لتنفس الثقافة لأهل وأطفال المنطقة.