ضحايا الفقر وصناعه
أركب “الميكروباص” يومياً إلى جامعتي، منذ أشهر انفطر قلبي عندما رأيتها؛ سيدة في نحو الأربعين، ملابسها متواضعة تداري وجهها وتمد يدها باكياس مناديل ورقية في صمت وانكسار.
وضعت في يدها جنيهان فأعطتني كيس مناديل، وعندما أعدته لها قالت لي: “اتفضل خذها من فضلك أنا مش شحاتة”.
انسحبت وفي يدي المناديل بعد أن رأيت الدموع في عينيها، وبقيت كلماتها تصل لسمعي رغم ضجيج الشارع “أنا مش شحاتة أنا مش شحاتة”.
مع الأيام تغيرت هذه السيدة تماماً، تتجول في إشارة المرور وتواجه المارة وأصحاب السيارات بعيون جريئة، وتلح في السؤال بلهجة مستجدية محترفة، تمنح البعض أدعية باردة والبعض الآخر استهزاء ولعنات، وتتصارع طول الوقت مع من يقفون في نفس المكان للشحاذة.
هذا ما يفعله الفقر بالبشر، فسلوك الناس ومعاملاتهم مع الآخرين لا تهبط عليهم من السماء، بل هي محصلة لأوضاع حياتهم، وليس مثل الفقر عنفاً بالنفوس ولا ضغطاً عليها ولا سحقاً لما فيها من خيرات، ولا إبرازاً لما فيها من شرور ومساوىء، فقبل أن نسكب غضبنا على سلوكيات تشوه حياتنا، علينا أن نسأل أنفسنا عما وراء ذلك، عن ضحايا الفقر وعن صناعه.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين