حرب كرموز!
.والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة. ويلطم خدَّه أيضاً: لماذا ارتفع شأن فيلم الممر حتى عنان السماء ، وغاص فيلم “حرب كرموز” إلى سابع أرض؟ رغم أنهما يكادان يكونان متوافقان إلى حدٍ كبير. لا سيما في كم التحريف الواضح للحقائق واللَّي المتعمد لبعض فصول التاريخ الهامة ، وإن كان الأخير أقل كذباً الشيء اليسير عن الأول.
أقول: ورغم هذا التطابق والانسجام في بنود كثيرة في -أحداث الفيلمين- كتهميش دور المواطن “المدني”! وحصر دوره في (إما لص أو عاطل متهكم) قلة الفهم والتراخي الواضح! أو في تضخيم عضلات النموذج العسكري الذهنية أو الوطنية أو البدنية.. غير أن الممر كاد أن يتحول لملحمة ويكأنه قد حدث حرفياً.
وأن أبطاله الذين ظهروا على الشاشة هم هم أبطال القصة الحقيقية ، خاصة وقد توهم “بعضهم” أن الحلم قد أمسى واقعاً ، فصار يوزع بسماته الشامخة ولمساته العطوف.. مرفوع الصدر وكأنه شهيد قد بعث من بين الشهداء! فصار المثال المضحك للشهيد الحي! حتى حينما أراد أن ينصح غيره تكلم لذاك الغير من برجٍ عاجي وبعنجهية عسكرية وكأنه قائد كبير يأمر جنوده!
ومن بين هذا الزخم يطل الفيلم الآخر في غبنٍ واستحياء ، وكأنه يعتذر منا لإضاعته أوقاتنا الثمينة ، فكانت مفارقة عجيبة. لماذا هذا الفيلم الذي يلقي الضوء على حدثٍ هامٍ وخطيرٍ يبروز دوراً عظيماً لأحد أفراد ضباط الشرطة ورجاله! وإن كان بشكل مبالغ فيه ، وصل في بعض المشاهد لحد الفنتازيا الدرامية Fantasy أو الخيال المبالغ فيه في إطار درامي متماسك! يُجرف -في وقت وجيز- بمجارف النسيان العملاقة.. هكذا؟
لكن. وفي نظري جاء فيلم (حرب كرموز) في الصف الأول ، وأمام الفيلم الشهير (الممر) بعدة خطوات. من حيث كل شيء! وإن غضضنا الطرف عن المقارنة الدقيقة في كافة جوانب العملين. فسأتكلم -فقط- عن التصوير ، فكادر الكاميرا الذي لم يتخطَ حدود قسم شرطة متهالك بحي من أحياء الإسكندرية الفقير جدا في تلك الأيام ، ليستطيع المصور أن يقفز من فوق الأسوار ويتسلق الجدران القديمة ، ويتنقل عبر مواسير المجاري المعطوبة كي يخرج في النهاية فيلماً -من الناحية الفنية وبعيداً عن ميزان الصدق والكذب- عالمياً أكاد أزعم!
وكما قفزت بكم فوق جداول المقارنة الدقيقة بين العملين. وإن كان ما حرّك شهية القلم هو الغبن الجائر والواضح على فيلم حرب كرموز لحساب فيلم الممر ، لا سيما وهما نتاج ذات المدرسة التوعوية التعبوية الموجهة. أقفز بكم الآن أيضاً فوق جدول المقارنة بين الفيلمين من حيث القدرات الفنية للممثلين. فالمقال لن يتسع لكل هذا ، لكن دعونا نكتشف الفنان العجيب بيومي فؤاد ، والذي فجأة أوقف ماكينة الضحك اللذيذة أحياناً ، والثقيلة في أحيانٍ أخرى ، والغير مبررة في أغلب الأحيان المتبقية من كمية الأحيان التي يقدمها. حيث أن المذكور لا يفوِّتُ حيناً -ملائماً أو غيرُ ملائمٍ- إلا وأطل منه علينا. جاء هذه المرة “بيومي” أو عضو مجلس النواب عن منطقة كرموز (رياض الشندويلي) بشكل جديد علينا “منه” ، لكنه قديم جداً كشخصية فنية بأدوات احترافية!
بيومي فؤاد ذلك الصاخب الصامت ، والمهرج الباكي ، والمضحك العابس مقضب الجبين ، وفي خبر عاجل: يلقي بسترة المهرج بُهِيمِيَّة الألوان ، وبطرطورهِ المُزَركش المُشتت الرسوماتِ -والذي يُصرُ تُجار الدراما على إلباسه إياه- على الأرض! ثم يسير هارباً بتؤدة وهدوء ، وسكينة من لا يخشى الملاحقة! كونه ممثلٌ موهوبٌ -وهذا ما أراه- قد تلبّسته روح عضو مجلس نواب كرموز ، ليرسم -دون طربوش ولا تقعر كلمات وأداء مفتعل- دوراً هو من أهم أدواره على الإطلاق! ولو تمَّ تزيين العمل بنصف كمية الورود التي إلقيت على جثمان الفنان الشهيد الحي -إياه-. ولو حصل الفيلم على ثُلثِ أكاليل الغار التي توَّجَت رؤوس وجباه أولئك الممثلين ، لكان لبيومي الشندويلي أو رياض فؤاد ضيف شرف حرب كرموز وتعويذة الحسد نصيب الأسد!
ويبقى السؤال يتيماً لا أجد إجابة مقنعة عليه! رغم كل هذا التطرق والإسهاب والاسترسال و”الرغي”: لماذا طار الممر حتى طال إيوان كسرى ، وسقط فيلم حرب كرموز في غياهب الجُبِ! في الوقت الذي فُرضَ علينا مشاهدة التافه فالأكثر تفاهةً. وكأنها معين لا ينضب!
_______________
المزيد من الموضوعات
ندوة أدبية وثقافية بحزب الوفد بطنطا…
اللواء محمد البربري رئيس جهاز الحماية المدنية سابقا و أحد أبرز كوادر حماة الوطن بالغربية في حوار مع وسيط اليوم …
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…