الوداع..يا جمال …ياحبيب الملايين …
كتب/لواء مهندس السيد نوار
وسيط اليوم
28/9/2022
قبل ٥٢ عاماً ، وتحديداً في مثل ذلك اليوم من شهر سبتمبر عام ١٩٧٠م ، توفي الزعيم الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر ….
كان جمال عبد الناصر قبل موته بساعات قليله يترأس قمة عربية لإيقاف نزيف الدم العربي في الأردن بين الفصائل الفلسطينية من جهة ، والملك الأردني الحسين بن طلال من جهة اخرى ، والمعروفة بإسم مذابح أيلول الأسود .
السيدة تحية زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تروي أحداث الساعات الاخيرة من حياة الزعيم الراحل وتقول :
صباح يوم وفاته ، تناول افطاره وأكل تفاحة من صندوق تفاح جاءه به الوفد اللبناني المشارك في مؤتمر القاهرة ، ثم تناول معها فنجان قهوة ، وسألها عن أحفاده هالة وجمال ، وأكدت له أنهم جميعاً بالبيت وأكد لها بأنه سوف يراهم جميعاً على الغداء ، وأجرى محادثة تلفونية مع محمد حسنين هيكل ، حيث سأله هيكل عن ألام ساقه ، فطمأنه عبد الناصر بأنه سيضع قدمه في ماء مالح ودافئ وسوف يخف الألم إن شاء الله ، ثم قام لكي يرتدي ملابسه مستعداً للتوجه الى المطار لإجراء مراسم الوداع لأمير الكويت ، واتصل بالرئيس سكرتيره سامي شرف يطلب منه أن يرتاح في البيت بدلاً من الحضور الى المطار ، إلا أن عبد الناصر رفض ، ووعده بأنه سوف ينام بعد أن يعود من المطار وبعدها سيأخذ اجازة .
الملاحظة المهمة التي انتبهت لها زوجته السيدة تحية هي أنه وأثناء خروجه من غرفته استعمل المصعد الكهربائي للنزول وتلك لم تكن عادته ، فمنذ تركيب المصعد في منزله كان يستعمله للصعود للطابق الاعلى فقط ، وكان يفضل النزول على السلالم ، وسلوكه في ذلك اليوم يدل على إحساسه بالتعب .
الملاحظة الثانية المهمة ايضاً انه وبعد وداع الأمير الكويتي ، إزداد شعوره بالتعب ، وإلتفت يطلب سيارته وكان ذلك على غير المعتاد ، فقد كانت العادة المتبعة أن يذهب هو سيراً على قدميه إلى حيث تقف سيارته ، وجاءته السيارة ودخل اليها وهو يطلب من احد سكرتاريته ان يستدعي الدكتور الصاوي ليقابله في البيت .
عند وصوله الى المنزل تحدث قليلاً مع أحفاده الذين كانوا في انتظاره ، وطلبوا منه مشاركتهم الغداء ولكنه اعتذر بأنه لا يستطيع ان يضع شيئاً في فمه ،
وعند حضور د كتور الصاوي ، اكتشف اصابة الرئيس بجلطة في الشريان الامامي للقلب ، وبما انه قد اصيب قبلها بعام بجلطة في الشريان الخلفي فان الموقف كان حرجاً ودقيقاً للغاية ، مما جعله يستعين بأكثر من طبيب ويطلب منهم الحضور لمساعدته ،
وكان عبد الناصر حتى لحظة حضور تلك المجموعة من الأطباء منتبهاً وفي كامل وعيه ، وقد بدأ نبضه ينتظم وضربات القلب تعود الى معدلها الطبيعي ، حتى أنه أبدى للأطباء رغبته في زيارة الجبهة للاطمئنان على الجنود هناك ، وذَكَّرَهُم بأن كل الوزراء في ذلك اليوم كانوا متواجدين على الضفة الغربية لقناة السويس للإطمئنان على رجال القوات المسلحة المصرية في الجبهة .
هَمَّ الرئيس عبد الناصر بالنهوض من فراشه ومد يده الى جهاز راديو بجانبه يريد ان يستمع إلى نشرة اخبار الساعة الخامسة من اذاعة القاهرة ، وإنساب اللحن المميز لنشرة أخبار اذاعة القاهرة في أجواء الغرفة مُبَدِدًا بعض الشئ جوها المشحون بالطارئ الخطر .
خرج الطبيب منصور فايز (احد الاطباء الذين تم استدعاؤهم) من الغرفة ليدخن سيجارة ، فوجد السيدة تحية قرينة الرئيس أمامه تترقب منه اي كلمات تطمئنها على صحة الرئيس عبد الناصر ، فبادرها قائلًا :
إطمني ،
الرئيس جمال بخير والحمد لله …
كان الوضع داخل غرفة نوم الرئيس / جمال عبد الناصر ، قد يتغير بسرعة لم تكن متوقعة ، فلقد استمع الرئيس الى مقدمة نشرة الاخبار ثم قال :
لم اجد فيها الخبر الذي كنت اتوقعه ، ولم يحدد أي خبر كان يتوقعه .
طلب منه طبيبه الصاوي ان لايبذل أي مجهود ، وان يستريح قليلاً ولكن عبد الناصر قال كلماته الاخيرة :
لا يا صاوي الحمد لله …
أنا دلوقت خلاص استريحت .
ولاحظ د. الصاوي ان الرئيس عبد الناصر بعد كلماته هذه قد حرك يده من فوق صدره ووضعها بجواره ، بعدها لم يتحرك عبد الناصر ولم ينطق بكلمة …
أسرع دكتور الصاوي مناديًا على بقية الأطباء لإنقاذ ما يمكن انقاذه ،
وكانت السيدة تحية تقف في غرفة الإستقبال الخارجية وقد سمعت نداء د . الصاوي على زملاءه فعلمت أن الوضع أصبح خطيرًا ، فأخذت تضغط بيدها على خدها واليد الاخرى تمسك برأسها وليس على لسانها سوى كلمة واحدة ترددها :
جمال ..
جمال ..
جمال ……
في تلك اللحظات الرهيبة كان هناك هدوء غريب في الغرفة وساد صمت كامل ، والاطباء من حوله في جهودهم الاخيرة يحاولون تدليك القلب اصطناعياً بتكرار الصدمات الكهربائية ، والجسد المُسجي يختلج ولكن الهدوء يعود بعد كل اختلاجة بلا حركة ولا نبض .
كان هناك شعراوي جمعة وزير الداخلية ،
وسامي شرف وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية ، ومحمد أحمد من سكرتارية عبد الناصر ، وهيكل وحسين الشافعي نائب الرئيس الذي استدار ناحية القبلة يُصلي ، ووقف السادات النائب الأول للرئيس بجانب جسد عبد الناصر ليتمتم ببعض أيات القرأن ، نظر دكتور الصاوي إلى زملاءه وقال :
كل شئ قد انتهى ….
البقاء لله ….
إنا لله وإنا إليه راجعون
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف