وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

الوعي… الوعي  مع ذكريات حرب أكتوبر 

الوعي… الوعي 

مع ذكريات حرب أكتوبر 

 

بقلم/ اللواء مهندس السيد نوار 

وسيط اليوم

4/10/2022

 

في الليلة الواقعة بين الرابع والخامس من أكتوبر ١٩٧٣م ، في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، تلقى رجل الموساد دوبي اتصالاً هاتفياً من القاهرة ، كان دوبي (وهو أحد كبار مشغلي العملاء بالموساد ) يعمل من قاعدة الموساد في لندن ، على الجانب الأخر من الخط كان أهم عميل للموساد وأكثرهم سرية على الإطلاق ، والذي عُرِف باسم ؛

العميل حوتيئيل ،

أو الملاك .

لم ينطق حوتيئيل إلا بكلمة واحدة فقط وهي : 

Radish – فجل 

أُصيب دوبي بالذعر بمجرد سماعة تلك الكلمة ، التي هي كلمة كودية متفق عليها ، واتصل فوراً بقيادة الموساد ، وأبلغهم بالكلمة الكودية . 

في اللحظة التي وصل فيها الأمر إلى علم رئيس الموساد تسيفي زامير ، أبلغ بدوره رئيس مكتبه فيردي عيناي بأنه مسافر إلى لندن .

كلمة “فجل” حملت في طياتها أنباء مروعة ، فالكلمة معناها الكودي هو : 

“من المتوقع هجوم فوري على إسرائيل”.

وبحسب التعليمات المترتبة على كلمة السر هذه ، كان يجب على زامير مقابلة عميله في لندن فور تلقيه تلك الإشارة .

رحلة شركة الطيران الإسرائيلية( العال ) للندن كانت كاملة العدد ، فحجز زامير طائرة خاصة وأقلع على الفور إلى العاصمة الإنجليزية . 

في الطابق السادس من إحدى بنايات العاصمة البريطانية لندن ، وعلى مقربة من فندق دورشستر ، كان لدى الموساد شقة أمنة ، حيث كانت الشقة مؤمنة ومزودة بأجهزة تسجيل ، حيث تم إستئجارها وتجهيزها من أجل هدف واحد فقط وهو اللقاءات مع “الملاك” . 

في اللحظة التي وصل فيها تسيفي زامير هناك ، انتشر حول البناية قرابة عشرة عملاء للموساد لتأمين قائدهم ، تحسباً لأن تكون الرسالة خدعة أو أن تكون خطة مدبرة للمساس به . 

ترأس قوة التأمين تسيفي مِلحين المخضرم ، الرجل الذي كان أحد أفراد الطاقم الأسطوري الذي اعتقل أدولف إيخمان في الأرجنتين .

زامير المتوتر والمنفعل انتظر طوال اليوم عميله المصري ، 

والملاك كعادته تأخر في روما خلال رحلته ولم يصل إلى لندن إلا في ساعة متأخرة من الليل . 

التقى الإثنان في الحادية عشر مساء ، في تلك الأثناء حلت عشية عيد الغفران على شعب إسرائيل .

استغرق اللقاء بين تسيفي زامير والملاك حوالي ساعتين وحضر دوبي اللقاء وسجل مضمونه ، وفي نهاية اللقاء في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ودع تسيفي زامير عميله الملاك .

بينما كان دوبي يتهامس للحظة مع الملاك في الغرفة المجاورة ويعطيه أجره المتفق عليه وهو مائة ألف دولار أمريكي ، عمل زامير على صياغة برقية عاجلة لإسرائيل .

لكن رجال الموساد لم يجدوا كود السفارة الذي يمكنهم عن طريقه إرسال تلك الرسالة العاجلة . 

الساعات تمر وصبر تسيفي زامير بدأ ينفذ ، فإتصل هاتفياً بمنزل رئيس مكتبه فيردي عيناي في تل أبيب ، ولكن المكالمة الهاتفية لم يُرد عليها… 

عاملة الاتصال اليائسة قالت : 

لا يوجد رد …

اعتقد أن هذا يوم عيد هام في إسرائيل …

رد عليها زامير قائلًا :

حاولي الاتصال مرة أخرى … 

وبعد عدة محاولات أيقظت رنات الهاتف رئيس مكتبه الذي كان نائمًا ، فقال له زامير : 

خذ صحناً ممتلئاً بالماء وضع قدميك فيه ، ثم خذ ورقة وقلم …

عندما نفذ فيردي التعليمات ، أرسل له زامير رسالة مشفرة : 

“الشركة توشك على توقيع عقد اليوم قبل حلول المساء”. 

وأضاف : 

الأن ارتدي ثيابك ، واذهب إلى القيادة وأيقظ الجميع .

هرع فيردي عيناي لتنفيذ التعليمات وبدأ بالإتصال بقيادات الدولة والجيش . 

تلخصت فحوى الرسالة التي أراد أن ينقلها في كلمة واحدة : 

“اليوم ستندلع حرب”.

في وقت لاحق وصلت البرقية التي كتبها زامير : 

وفقاً للخطة يعتزم المصريون والسوريون الهجوم قبيل حلول المساء . 

إنهم يعرفون أن اليوم هو يوم عيد لدينا ، ويعتقدون أن بمقدورهم أن يعبروا قبيل الظلام . 

الهجوم سيكون وفقاً للخطةالمعروفة لنا .

 السادات لن يستطيع أن يؤجل الهجوم بسبب التعهدات التي قطعها لرؤساء دول عربية أخرى ، وهو يريد الوفاء بتعهداته كاملة .

الرسالة الدراماتيكية التي نقلها رئيس الموساد لم تُستَقبل في كل مكان وكأنها توراة من السماء .

رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء إيلي زعيرا كان على قناعة تامة بأن الحرب لن تندلع رغم كل التقارير الإستخباراتية المُقلِقة . وقد كان على يقين تام بأن الإنتشار الواسع للجيش المصري على إمتداد قناة السويس ، ليس إلا جزءًا من مناورة كبيرة . 

كما إعترف زعيرا أمام زامير بأنه “ليس لديه تفسير” للتقرير الذي رفعه “يحمور” من الوحدة ٨٤٨ ، (فيما بعد الوحدة ٨٢٠٠ ، وهي وحدة التنصت بالجيش الإسرائيلي).

فقد أفاد “يحمور :

بأن مجموعة المستشارين العسكريين السوفيت في مصر وسوريا تغادر الدولتين . 

كانت هذه علامة واضحة على أن الحرب باتت وشيكة ، 

إلا أن زعيرا لم يغير رأيه .

رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية والجزء الأكبر من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ظلوا أسرى لذلك المفهوم ، فلقد اعتقدوا جميعاً أن مصر لن تهاجم إسرائيل إلا إذا توافر شرطان :

١ – أن تحصل مصر من الإتحاد السوفيتي على مقاتلات قادرة على مضاهاة الطائرات الإسرائيلية ، وكذلك مدمرات وصواريخ قادرة على مهاجمة العمق الإسرائيلي .

٢ – ضمان تعاون الدول العربية الأخرى معها في أي مواجهة عسكرية ضد إسرائيل . 

وطالما لم يتم إستيفاء هذان الشرطان ، بحسب ذلك المفهوم ، فلايوجد أي احتمال لهجوم مصري …

مصر سوف تهدد ، تستفز ، 

تُجري مناورات ، وتستعرض عضلاتها ، لكنها لن تشن الحرب…

جميعهم كانوا على علم بأن مصر لم تحصل على المدمرات .

هذه المرة أيضاً في جلسة الحكومة التي انعقدت في صباح السادس من أكتوبر ١٩٧٣م ، ترعرع ذلك المفهوم البائس في عقول غالبية الحضور ، فلم يكن فقط زعيرا ، وإنما أيضاً غالبية وزراءالحكومة تشككوا في مصداقية الخبر بشأن الهجوم المصري السوري الوشيك .

وكان الملاك قد نقل مرتين في الماضي ، ( في نوفمبر ١٩٧٢ ومايو ١٩٧٣) معلومتين خاطئتين حول حرب وشيكه ، 

في مايو ١٩٧٣ تم استدعاء قوات الإحتياطي الإسرائيلي ، وهو ما كلف الدولة مبالغ طائلة ، حوالي ٣٥ مليون دولار .

كان الجميع في تلك الجلسة الطارئة على علم بمدى خطورة الوضع ، ومع ذلك قرروا استدعاء الإحتياطي على نطاق محدود ، كما قرر الوزراء عدم المبادرة بهجمة استباقية لسلاح الجو على القوات المصرية الهائلة على امتداد قناة السويس .

كان رئيس الموساد تسيفي زامير مُصِرًا على رأيه ، فالحرب وشيكة ولقد أبلغ الملاك بهجوم مصري سوري مشترك يبدأ مع أخر ضوء في نهار اليوم .

قبل الساعة ١٤٠٠ ، وبعد الظهر بقليل ، جمع رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية مراسلي الشئون العسكرية بالصحف ليقول لهم إن هناك إحتمالاً ضعيفاً فحسب لإندلاع حرب ، وفجأة دخل أحد مساعديه ووضع أمامه ورقة ،

فقرأها زعيرا ولم ينطق بحرف واحد …..

أخذ غطاء رأسه ثم خرج من الغرفة مُسرٍعاً . 

بعد مرور دقائق معدودة سمع الجميع دوي صفارات الإنذار .        

في وقت لاحق ترددت ادعاءات خطيرة من قيادة شعبة الاستخبارات العسكرية ضد الملاك ، الذي ضلل زامير عندما حدد ساعة الغروب كساعة الصفر للهجوم ، في حين بدأت الحرب في الثانية بعد الظهر . 

وبعد فترة اتضح أن الساعة تغيرت في اللحظة الأخيرة بعد مشاورات بين الرئيسين المصري والسوري ، عندئذ كان الملاك في الجو متجهاً إلى لندن .

الغريب أن رجال شعبة الاستخبارات العسكرية غضبوا من الخطأ في تحديد الساعة، وكذلك من التحذيرات السابقة للملاك التي اتضح أنها أنباء خاطئة ، لم يتعامل رجال شعبة الاستخبارات العسكرية مع الملاك كمصدر مخابراتي ، ولكنهم توهموا انه مندوب للموساد الإسرائيلي في مكتب الرئيس السادات، ولكنه في الحقيقة كان ولاءه الكامل لمصر وليس لإسرائيل .

عندما أطلقت مصر صاروخي سكود على تجمعات الجيش الإسرائيلي في الدفرسوار ، مما تسبب في سقوط العديد من القتلى من الجنود الاسرائيلين ، وصل خبر مهدئ من الملاك فحواه أن هيئة الأركان العامة المصرية لا تعتزم استخدام تلك الصواريخ مرة اخرى ، وأن مصر لن تصعد الهجوم على إسرائيل الا اذا هاجمت اسرائيل العمق المصري 

فسيكون الرد المصري في العمق الإسرائيلي ..

كما قالها السادات :

العمق بالعمق…..

الصورة لغلاف الكتاب الإسرائيلي :

الملاك ….

الجاسوس المصري

 الذي أنقذ إسرائيل … 

ولكنه في الحقيقة مواطن مصري تمكن من خداع الموساد الإسرائيلي .

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp