قتل الساحرات ومحاكم سالم في أمريكا
متابعة / ياسر الشرقاوي
وسيط اليوم
٢٠٢٢/١١/٣
في فترة محاكم سالم الأمريكية، التي تمت لمزاعم ممارسة السحر والشعوذة، كان كل شيء قابلاً لأن يتحول إلى تهمة تُشنق السيدات بسببها، وقد عُرفت المرحلة المُظلمة في القرن الـ17 بأمريكا بكونها من أحلك فتراتها في التاريخ قبل تأسيس الدولة بشكلها النهائي، وعلى أثر تلك المحاكمات تم شنق الكثير من الأبرياء معظمهم من النساء.
فما هي محاكم سالم، والمعروفة بمحاكمات ساحرات سالم الأمريكية؟
بداية القصة في فترة من العصور المظلمة
بدأت محاكم سالم خلال ربيع عام 1692، بعد أن تم الادعاء بأن هناك مجموعة من الفتيات الشابات في قرية سالم بولاية ماساتشوستس الأمريكية الاستعمارية آنذاك، الشيطان تملكّن، وبالفعل تم اتهام العديد من النساء المحليات بممارسة السحر.
مع انتشار موجة من الهستيريا في جميع أنحاء ولاية ماساتشوستس في ذلك الوقت، عُقدت محكمة خاصة في سالم للنظر في القضايا.
تم شنق أول “ساحرة” مدانة، وتُدعى بريدجيت بيشوب، في يونيو/حزيران من ذلك العام. وهي التي تم اتهامها والحُكم عليها بشكل أساسي بسبب جرأتها في اختيار الملابس في ذلك الوقت، علاوة على ما أُشيع من دخولها في علاقات غير شرعية مع الرجال المتزوجين.
تبع هذا الحُكم الأول 18 آخرين بنفس التهم والعقوبة بالإعدام شنقاً، في حين تم اتهام حوالي 150 رجلاً وامرأة وطفلاً خلال الأشهر العديدة التالية.
وبحلول شهر سبتمبر/أيلول 1692، بدأت الهستيريا في الانحسار وانقلب الرأي العام ضد المحاكمات وانتقدوها بشكل كبير، متهمين المشرفين على تلك المحاكمات باستهداف من يضمرون لهم أي خلافات شخصية.
على الرغم من أن المحكمة العامة في ماساتشوستس ألغت لاحقاً أحكام الإدانة ضد السحرة المتهمين، ومنحت تعويضات لعائلاتهم، فإن المرارة ظلت قائمة في المجتمع، واستمر الإرث المؤلم لمحاكم سالم لعدة قرون، ما جعلها مادة ثرية للعديد من الأعمال الدرامية والمؤلفات الأدبية.
علاقة أهل مدينة سالم بالسحر والشعوذة
ظهر الإيمان بما هو خارق للطبيعة، وتحديداً اعتقاد وجود علاقة بين السحرة والشيطان لنيل بعض القوة والنفوذ لإيذاء الآخرين مقابل الولاء، في أوروبا في وقت مبكر من القرن الـ14، وقد انتشر على نطاق واسع في نيو إنجلاند الاستعمارية، وهي أمريكا اليوم قبل تأسيس الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الحقائق القاسية للحياة في المجتمع البيوريتاني الريفي في قرية سالم، والتي تقع بقرية دانفرز حالياً، بولاية ماساتشوستس، آنذاك، الآثار اللاحقة للحرب البريطانية مع فرنسا في المستعمرات الأمريكية عام 1689.
وبحسب الموسوعة البريطانية “بريتانيكا”، تسبب انتشار وباء الجدري في ذلك الوقت، ومخاوف من هجمات قبائل سكان أمريكا الأصليين، العديد من العقد المجتمعية والذعر في مجتمع مدينة سالم.
وسط هذه التوترات المتراكمة، كانت محاكمات الساحرات في سالم تغذيها شكوك المواطنين واستياؤهم العام، فضلاً عن كونها مجالاً لتنفيس الغضب من أي سلوك غير مُعتاد أو مقبول في المجتمع الذي يتفشى فيه المرض والجهل.
حالات مرضية تم تفسيرها على أنها تلبُّس شيطاني
في يناير/كانون الثاني 1692، بدأت إليزابيث باريس البالغة من العمر 9 سنوات، وأبيجيل ويليامز البالغة من العمر 11 عاماً (ابنة وابنة أخت صموئيل باريس، حاكم قرية سالم، في المعاناة من نوبات صرع، بما في ذلك الالتواءات العنيفة ونوبات الصراخ التي لا يمكن السيطرة عليها.
بعد تشخيصها من قِبَل الطبيب المحلي، ويليام غريغز، بالسحر، بدأت الفتيات الأخريات في المجتمع تظهر عليهن أعراض مماثلة.
في أواخر فبراير/شباط التالي، صدرت أوامر اعتقال بحق تيتوبا، عبدة سوداد، كانت تخدم أسرة باريس، وتم جلبها من منطقة البحر الكاريبي، مع امرأتين أخريين، وهما المتسولة المشردة سارة جود، والفقيرة المسنة سارة أوزبورن – اللتين اتهمتهما أسر فتيات القرية بسحر بناتهم.
ويُتوقع أن الحالة المتفشية آنذاك، وفقاً لبحث أجرته مجلة Science العلمية، هي بسبب استهلاك عفن الشقران (الموجود في القمح والحبوب الأخرى الملوثة في ذلك الوقت)، والتي يقول علماء السموم إنها يمكن أن تسبب أعراضاً مثل الهلاوس والقيء والتشنجات العضلية، خاصة للصغار سناً.
محاكم سالم للساحرات: النهاية والإرث التاريخي
إنك ماثر، رئيس كلية هارفارد (ووالد حاكم القرية كوتون ماثر) انضم لاحقاً إلى ابنه في الحث على أن تكون معايير أدلة السحر مساوية لمعايير أي جريمة أخرى، وخلص إلى أنه “من الأفضل أن يهرب 10 ساحرات مشتبه بهن من أن يكون أحد الأبرياء شخص مدان”.
وسط تراجع الدعم العام للمحاكمات، تم حلها، وتضاءلت أهميتها تدريجياً حتى أوائل عام 1693، وبحلول ذلك تم إصدار عفو عن جميع المسجونات بتهم السحر وأُطُلق سراحهن.
في يناير 1697، أعلنت المحكمة العامة في ماساتشوستس يوم صيام طلباً لغفران مأساة محاكم سالم للساحرات، بحسب موقع History للتاريخ.
ولاحقاً، اعتبرت المحكمة أن المحاكمات غير قانونية، واعتذر القاضي البارز صموئيل سيوول علناً عن دوره في العملية والإعدامات.
ومع ذلك، استمر الضرر الذي لحق بالمجتمع، حتى بعد أن أقرت مستعمرة ماساتشوستس تشريعاً يعيد تكريم أسماء المدانين، ويقدم التعويض المالي لورثتهم عام 1711.
وبالفعل، فقد استمر الإرث الحي والمؤلم لمحاكم سالم للساحرات حتى اليوم، ولا يزال يتم استخدام تداعيات القصة في صنع الأفلام والروايات للتعبير عن مآلات الجهل والفقر والخوف من الاختلاف، وتأثيرها المرعب في المجتمعات.
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف