“انقطع الاتصال: عفواً رسالتك لم تصل” …
بقلم: أسامة مدني
وسيط اليوم
3/12/2022
عالمنا اليوم محموم بثورة اتصال غير مسبوقة. صار فيها البعيد قريباً، والصعب يسيراً، وأضحى الخيال واقعاً، والاتصال تواصلاً. فالهواتف الذّكية بتطبيقاتها المتعددة كالرسائل النّصية، والبريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام، رسّخت بشكل لا رجعة فيه قيماً مادية واستهلاكية صارت اليوم شرقية النزعة أكثر منها غربية. أَخرج من جيبك هاتفاً عاديا غير ذكياً واستمع إلى التعليقات الساخرة وستعرف أننا الآن في مرحلة اللاعودة. هو مصير محتوم له تبعات جسيمة. لقد دخلنا العالم الافتراضي بالتوازي مع الواقع، وهو عالم ينحر بشكل سريع في جنبات ما تبقى من هذا الواقع الهش، المتلاشي.
لكن ماذا عن سرعة تداول المعلومات وانتقالها، وسهولة الاتصال الصوتي والمرئي؟ ماذا عن التعليم عن بعد بديلاً من التعليم عن قرب؟ ماذا عن الكثير الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل الذين أصبحوا على بعد ضغطة أصبع منا؟ أليست إيجابيات كنّا نتمناها وتحققت. لكن ماذا أيضاً عن حياة افتراضية تغلفها العزلة أضحت بديلا عن حياة اجتماعية قوامها الألفة؟ ماذا عن حالات كثيرة من إدمان الافتراضي، التخيلي سببت انزواءً وانطواءً عن الواقع المحسوس؟ ماذا عن انعدام الخصوصية والأمان مما جعلنا عرضة للانتهاك، وتقفي الأثر؟ أليست سلبيات كنّا نغفلها فتجسّدت؟ فهل الاتصال والتواصل الفوري نعمة أم انزلاق تدريجي إلى نقمة آثارها بادية، جلية؟
هل تستخدم هاتفك الشخصي في الاتصال والرد عندما يسمح الوقت والظروف بذلك، أم أنك صرت عبداً، نهاراً أو ليلاً، لأوقات وظروف المتصلين؟ هل لديك رفاهية عدم الرد الفوري علي رسائل نصية أو بريد إلكتروني وصلك للتّو، أم أن الإجبار علي الرد ضرورة اجتماعية أو مهنية؟ هل حسابك علي وسائل التواصل الاجتماعي جعلك أكثر قرباً ومودة واتصالاً بالآخرين، أم أنك مُطارد أيضا من المتطفّلين، المتلصصين، التافهين، المنافقين، وأحيانا المجرمين، المبتزّين، المنتهكين، الآثمين؟ هل صرت أكثر صدقاً ومحبةً وانفتاحاً وابتهاجاً مع أصدقائك الافتراضيين، أم تلمّست تدريجياً الكذب والزّيف والحقد والتلون في نفوس هؤلاء القوم المُقربين؟ فهل تضخّمت ذات افتراضية حسبتها مُتواضعة؟ وهل ألحت ذات افتراضية حسبتها مُنزّهة؟ هل هلّلت ذات افتراضية حسبتها مُتمنعة، وهل انقضت عليك وافترستك ذات افتراضية حسبتها فاضلة؟
حُمَّى الاتصال أفرزت تبعات لا مفر منها، لا هروب من هيمنتها. فلقد دخلنا بوتقة العالم الافتراضي ولا خروج من متاهته. فكن حذراً إذا من الانزلاق والتمادي من دون التّروي والحيطة، فهو عالم لا يقين فيه ولا أمان. فالاتصال والتواصل ضرورة عصرية، لكن احذر، فرسالتك قد لا تصل، وإن وصلت فقد تصل إلى من هو كامن، ينتظر.
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف