وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

رحلتي إلى بلاد مرتع الأحلام.. «السويد» 

تقرير: أسامة حراكي

هي إحدى الدول الاسكندنافية (دول شمال قارة أوروبا تتكون من ممالك الدنمارك والنيرويج والسويد وفلندا وايسلندا وجزر فارو، وذلك للتقارب التاريخي والحضاري والعلاقات الثقافية التي تربط هذه الدول ببعضها).

من يصل إليها تحمله نسائم الحب وتطير به، إنها مرتع الأحلام موغلة في التاريخ والقدم، صانعة البسمة والانشراح، سيدة البحر المختالة بعنفوانها وإشراقها، يتدفق من بين حناياها شلال المتعة والجمال، ربما لاتشبه إلا نفسها وصمتها، لكنها تكاد تختصر أزماناً عابرة للضوء، وتعتبر شاهدة على احتفاء التاريخ بالابداع والأصالة، وصلتها بالقطار قادماً من العاصمة الدنماركية كوبنهاجن وقلبي تنفس عطرها وهواءها، وتعرفت إلى التي ملأت روحي سكينة وعذوبة. 

الملاحظ أن ما يثير زائر السويد فرادة المعمار وفق ما تدل عليه البناءات بمختلف أشكالها، فهي توازي بين الطابع ذي المرجعية الرومانية المسيحية وهو الغالب، والأوروبي على ندرته، لكن ما يميز الأول من خصائص، اعتماد البناء على الحجر الأحمر المتين المشكل على نمط طبقات، إلى القرميد المثلث الشكل في الأعلى، حيث يسيل الثلج ماء بدل تجمعه، واللافت ظاهرة الإكثار من النوافذ المستطيلة التي يتسرب منها الضوء إلى الداخل، مع الاعتماد على الشرفات الواسعة التي تفسح متعة النظر إلى الأخضر، إذ لا يكاد يوجد بناء غريب عن المساحات الخضراء بما هي حدائق تشرف على رعايتها والاعتناء بها الجماعات المحلية، ومن أغرب ما لفت انتباهي في السويد، التماثيل الموجودة في كل مكان، وتكون في الغالب لأسماء علم اعتبارية تفردت بادوار طليعية ومعرفية، أو أنها تعكس تجارب فنية شكلت لتتلائم وطبيعة الأمكنة والساحات.   

السويد برمتها تعتمد على الغاز المصنع وفق إعادة الاستعمال التي تخضع لها النفايات، والواقع أن هذا العامل حفز على تأسيس تجمعات صناعية تحترم تقاليد النظافة وتراعي جماليات المدن. 

مالمو 

هي ثالث أكبر مدينة في السويد وعاصمة مقاطعة سكانيا، وواحدة من أوائل وأكبر المدن الصناعية في الدول الإسكندنافية، ولكن حتى مطلع الألفية كانت تعاني من التكيف مع مجتمع ما بعد الصناعة، ثم أصبحت مدينة جديدة، تحوي العديد من التطورات المعمارية الرائعة، وتجذب شركات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية. 

يرجع أصل نشأتها إلى عام 1275م كرصيف ميناء محصن ومرسى للعبارات، وكانت حينها معروفة بإسم “ملمهوغ” والذي يعني كومة الحصى، وأصبحت من أهم المدن التي يرتدها السكان لكونها سوق مناسب ومزدهر لصيد أسماك الرنجة، وأستمرت في التوسع خلال النصف الأول من القرن العشرين مما جعلها من أكثر المدن الجاذبة سياحياً في السويد، وتعد الأن واحدة من أكبر ثلاث مناطق حضارية معترف بها رسمياً فى السويد منذ عام 2005 كما تمتاز بهدوئها الساحر على الرغم من أنها مليئة بالسكان، وتحوي بين طايتها تنوع تاريخي مذهل وتنتشر بها العديد من المطاعم والمقاهي الرائعة. 

توصف مالمو بأنها شبه مدينة عربية ويرجع ذلك السبب إلى العدد الكبير للجاليات التي فيها، ففي المدينة الكثير من المحلات والمراكز العربية، وأصدرت بلدية مالمو قانوناً ينص على تعليم اللغة العربية الأم للطلاب العرب في المرحلة الابتدائية، وتحتوي المدينة على العديد من الميادين والمباني التاريخية، وهي أيضا المركز التجاري للجزء الغربي من سكانيا، وتعد مالمو أحد أفضل المدن للتسوق من بين جميع المدن التي يمكن التسوق فيها، فهي تمتلك كل شيء في مسافة قريبة، حيث يوجد عدد هائل من المحال التجارية ومراكز التسوق القريبة من بعضها البعض، احتلت مالمو المرتبة الرابعة في قائمة الـ 15 مدينة خضراء في مجلة “الطحين” وتأسست خلال السنوات القليلة الماضية جامعة مالمو وتسعى المدينة الآن إلى التركيز على التعليم والفنون والثقافة.

جسر أوريسند: 

لقرب المسافة بين السويد والدنمارك من خلال هذا المعبر البحري، قررت حكومتا الدولتين إنشاء جسر يربط بين مدينة مالمو الواقعة في أقصى الجنوب الغربي بالسويد، وبين مدينة كوبنهاجن عاصمة الدنمارك الواقعة في الشرق، ويبلغ البعد بين شاطئي المدينتين حوالي 8 كيلومتر ولا يفصل بينهما سوى البحر، وكان من الممكن بناء المسافة بكاملها كجسر، إلا أن وجود مطار قريب على الساحل أحال دون تنفيذ الفكرة وتقرر بناء المعبر على قسمين نفق وجسر، تم بناء النفق بنظام القوالب المعدة مسبقاً حيث يتم الحفر قي قاع البحر، ويتم إغراق قطاعات النفق جنباً إلى جنب وليس بنظام الحفر الإعتيادي، حتى الوصول إلى الجزيرة الاصطناعية ومن ثم بناء الجسر المعلق، وهو جسر معلق ومن حوله دعامات يبلغ أرتفاعه 240 متراً ويتميز بطراز خاص في البناء، يتكون من طابقين، الأعلى خصص لعبور السيارات والآخر يستخدم لخطوط سكة حديد حيث تعبره قطارات قادمة من مطار كوبنهاجن متجهة إلى السويد وبالعكس، وتم افتتاحة في عام 2000 حيث وربط مدينة مالمو السويدية مع العاصمة الدنماركية كوبنهاجن بمسافة يتم قطعها في 20 دقيقة فقط، وأصبح “جسر أوريسند” العامل الرئيسي المساهم في التكامل الاقتصادي في المنطقة بين السويد والدنمارك. 

يبدأ الجسر من الجزيرة الأصطناعية التي طورت إلى جزيرة أزهار ونباتات وينتهي في كوبنهاجن، يقام سنويا على هذا الجسر سباق “مارثون المشي” ليوم واحد حيث يخصص الجسر للمشاركين فقط من المشاة، وتشكل المنطقة الآن وحدة واحدة حضرية، و تعد واحدة من أكثر المناطق اتساعاً، إثارة وحيوية في شمال أوروبا، ونسبة كبيرة من سكان مالمو السويدية يعملون في كوبنهاجن بالدنمارك. 

قلعة مالمو: 

يرجع تاريخ تشيدها إلى عام 1434 من قبل الملك “اريك من بوميرانيا” وقد تم أنهيار هذا المبنى جزئياً في أوائل القرن 16 وتم تشيد بناء جديد في مكانة عام 1530من قبل الملك كريستيان الثالث، وتعد هذه القلعة واحدة من أهم المعاقل التاريخية بأوروبا، وتضم متحف الفن الذي يحوي أعمالاً فنية زخرفية وديكورات ومنحوتات وأثاث ورسومات ولوحات، كما يضم المتحف أكبر مجموعة من الأعمال الفنية الخاصة بدول الشمال الأوروبي للقرن العشرين في السويد، وأسماء يجب البحث عنها أمثال “دان فوليرش، ونينا روس، وكارل لارسون، وأندريه زورن، وكارل فريدريك هيل، وبير كروج، وإليكسندر روزلين” كما يوجد بالمتحف معرض دائم للفنون بدءاً من القرن السادس عشر وحتى اليوم. 

وخارج القلعة هناك متحف “مالمو كونستال” ويستحق بالمجموعة الفنية الذي يحتويها الزيارة، حيث تمثل القاعة الرئيسية بها أحد أكبر قاعات أوروبا للفن الحديث، وهي تستخدم لتأثيرها الرائع في عرض المجموعات الفنية، والمنحوتات وغيرها من الأعمال الفنية التي تغطي الحركات والأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة الكبرى، والتي تم وضعها لمواجهة خلفية الضوء الطبيعية والصناعية التي بدورها تعطي الفنان إمكانات غير محدودة لتقديم فنه، وتعطينا الفرصة لمشاهدة تلك الأعمال الفنية.

ويقام في مالمو كل عام من شهر مايو مؤتمر ألعاب الشمال، أحد أهم الأحداث في مجال تنمية الالعاب، يتكون الحدث من المؤتمر نفسه، ومعرض للتوظيف ومعرض للالعاب، ويستقطب المئات من مطوري الالعاب المحترفين كل عام. 

الجذع المتحول: 

يقع البرج فى غرب ميناء مالمو بالقرب من جسرأوريسند الذي يربط السويد مع الدنمارك وعلى بعد حوالي 2 كيلومتر من محطة مالمو المركزية، ويمكن الوصول إليه بسهولة عن طريق الحافلة أو السيارة، وهو عبارة عن ناطحة سحاب سكنية يبلغ أرتفاعها 190 متر تتكون من 54 طابق، ويعد المبنى أعلى مبنى سكني في السويد وثاني أعلى مبنى في أوربا، تم تصميمة على يد المهندس المعماري الأسباني “سانتياغو كالاترافا” وقد تم أفتتحاه في 27 أغسطس 2005 بعد عملية بناء أستغرقت 4 سنوات، وحصل المبنى على جائزة (mipim) في معرض بناء كان بفرنسا، لأعتباره أفضل مبنى سكني في العالم، ويحتوى المبنى على متحف للفن الحديث والذي صممه أيضاً “انتياغو كالاترافا” ويعد المبنى من ضمن أجمل 25 ناطحة سحاب في العالم، والبرج ليس يعبر فقط عن المفهوم الهندسي المميز ولكن ينم أيضاً عن التكنولجيا والتقنية المتقدمة، فقد شيد البناء من الصلب والخرسانة المسلحة والواجهة مكونة من الزجاج والألمنيوم، وفي المبنى تتعايش المساكن الفاخرة والمكاتب في أول مكعبين، ومن المكعب الثالث للتاسع يستضيف 147 منزلاً والطابقين العلويان مخصصان لإجتماعات العمل والإجتماعات السياسية والزيارات الرسمية، ومنهما تستطيع أن ترى كل مالمو وكوبنهاجن. 

مكتبة مالمو المركزية: 

تتميز مالمو بأنها مدينة الثقافة وتضم مكتبة من أهم مكتبات العالم، وهي المكتبة المركزية التي تأسست عام 1846 تتميز بمبناها القديم والملحق بها مبنى جديد ويتصلان ببعضهما، وتضم أهم الكتب في جميع المجالات ومؤلفات عديدة لأشهر كتابنا العرب، بجانب العديد من الأفلام الوثائقية والعلمية المترجمة للغات عديدة. 

وإذا تابعنا الواقع الأدبي والثقافي في السويد، فإن الظاهرة الأبرز التي فرضت ذاتها على الثقافة الأوروبية ككل، التأسيس لكتابة الرواية البوليسية، والأصل أن نواة هذه الكتابة يؤرخ لها للستينيات إذ ابتكر الروائي “مارنن بيك” شخصيتين هما “ماي خوفال وببر فالو” حيث نسج من خلالهما أحداثاً ووقائع هدفها الأساسي نقد السياسي والاجتماعي في الدول الإسكندنافية ككل، لكن لاحقاً في التسعينيات برز اسم “بيتر هوك” الذي تعده بعض الدراسات النقدية الغربية، المؤسس الفعلي لكتابة الرواية البوليسية وفق مقاييسها وضوابطها المعتمدة.

لوند: 

تقع مدينة لوند جنوب السويد في الجنوب الغربي لمحافظة سكانيا، وهي من أقدم المدن في مملكة السويد، وتعتبر مدينة التناقضات حيث الطريقة الفنية التي يتداخل فيها البناء الحديث في مختلف جوانبه مع الأزقة القديمة، ويكسبها طابعاً مميزاً ممزوج بين الماضي والحاضر، فهي إلى جانب التجديد الذي تسعى إليه، عازمة في الوقت نفسه على الحفاظ على التراث التقليدي الذي يستوقف الزائرين، ليتمتعوا بجمال ذلك المزج ليعطي لها شكلاً رائعاً وفريداً، وتشتهر المدينة بساحتين، الساحة الصغيرة مركز تجمع المحلات التجارية، والساحة الكبيرة تضم المطاعم والمقاهي، تضم لوند عدد من المسارح وصالات رقص الباليه، وفيها أماكن للترفيه كالحديقة العامة، كما أنها تتميز بأنها مدينة الدراجات الهوائية التي تعتبر المواصلات الأكثر انتشاراً فيها، حيث يكثر فيها إستخدام الدرجات الهوائية، ويوجد الكثير من مواقف لدرجات الهوائية في المدينة. 

كاتدرائية لوند: 

كنيسة قوية تم بناؤها على الطراز الروماني التقليدي، وتضم ساعة فلكية جميلة وخمس آلات وسرداباً، كان هناك جوقة تمارس العزف عندما دخلناها جعلت المشهد أكثر روعة. 

جاكريبورج: 

منطقة سكنية حديثة تحاكي مدينة القرون الوسطى، فيها الكثير من البيوت المبنية على الطراز القديم وحدائق نباتية جميلة ساحرة، وتقع خلف الكتدرائية. 

جامعة لوند: 

تتميز لوند بأنها مدينة الطلاب، وأكثر من يقطنها طلاب جامعة لوند، ويظهر ذلك من خلال المساكن الطلابية التي تملأ المدينة، ففيها جامعة من أهم جامعات العالم، حيث تخرج من هذه الجامعة علماء ومفكرون حازوا على جائزة نوبل في التخصصات العلمية الدقيقة، مثل “كارل مان جورج سيغبان” الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1924 عن اكتشافاته في مجال مطيافية الأشعة السينية، و”أرفيد غوتفريد كارلسون” الحاصل على جائزة نوبل في الطب سنة 2000 بالاشتراك مع الأمريكيين “إريك كاندل، وبول غرينغارد” وذلك عن أبحاثه حول الدوبامين ودوره كناقل عصبي في مرضى الشلل الرعاش، ويبقى القول بأن هذه الجامعة تمول من طرف المفوضية الأوروبية بالاتحاد الأوروبي. 

بإنشاء جامعة لوند المفتوحة على عدة تخصصات، وانطلاقاٌ منها انبثقت مشاريع قوانين غايتها التجسيد القانوني المعقلن للحياة السياسية والاجتماعية، وهو العامل الذي أهل لاعتبار لوند مدينة إنتاج المعارف والأفكار. 

تنفرد لوند بكرنفالها الطلابي الذي ينظم كل أربع سنوات، ويعود كتقليد إلى عام 1849 حيث يسهر على تنظيمه طلبة الجامعة، ويتحقق فيه عرض التقاليد والعادات الاجتماعية إلى جانب الرقص والغناء.

مكتبة لوند المركزية: 

وتضم أهم الكتب في جميع المجالات ومؤلفات عديدة لأشهر كتابنا العرب، بجانب العديد من الأفلام الوثائقية والعلمية المترجمة للغات عديدة. 

أثناء زيارتي للسويد كان هناك إحساس لم يفصح عن ذاته، لكنه كان قوياً، كأنه بركان ثائر يبحث عن نقطة ضعف في قشرة النفس لينطلق منها كالمارد، وكان كل يوم ينفجر في أعماقي بركان من الحنين حين كنت أقابل الأسر العربية من الأهل والأصدقاء الذين استقبلوني واستضافوني جميعاً بحفاوة وكرم، وكنت أدخل بيوتهم جميعاً أشعر كأني عدت إلى بيتي وخلعت حذائي وغيرت ملابسي وجلست في راحة بلا قيود .

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن