وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: الشارع القديم…

أسامة حراكي يكتب: الشارع القديم…

كتب أسامة حراكى

وسيط اليوم

5/6/2023

مررت على الشارع القديم منذ أيام، تجولت بين طرقاته، كانت نوافذ البيوت معظمها مغلقة وتكاد تكون مقفرة خالية من سكانها، وتذكرت كيف كانت تلك النوافذ والشرفات مفتحة وقاطنيها يخاطبون بعضهم من الشرفات ويضحكون ويتحدثون في أمور حياتية تتيح لكل من يقف في شرفته أو يطل من نافذته الاشتراك في الحديث… اتذكر كيف كانت العلاقات الاجتماعية آنذاك مترابطة وقوية ومفتوحة.. لا أسرار، لا مؤامرات… فكلما ضاقت المساحة التي تفصل بين الناس زاد ترابطهم، وكلما اتسعت قل اهتمامهم ببعضهم البعض.

ولمحت مجموعة من الأطفال يلعبون بالحديقة المجاورة .. توهمت للحظة أن قلب طفل أستقر بين أضلعي وأن رفاقي لم يكبروا، وأن التفاصيل القديمة مازالت قيد استمرار، لكني اكتشفت أن الكثير من التفاصيل قد اختفت، ومات العم جعفر صاحب البقالة، ذلك الرجل الذي كان يقدم لنا السعادة بما يبيعه من شوكولاته وبسكويت و… شعرت بالتصاق الزوايا وضيق المساحة القديمة التي كنا نراها في طفولتنا واسعة كفضاء، فلم يعد المكان بحجمه السابق الذي يتسع لعدد كبير من أطفال الحي، ربما لأنه أدرك أنه لم يعد حلم طفل 2013

الدكان كان يوماً كجزيرة حلم نتجول بها بين حلوياتها بقلوب أطفال تمنوا أن يكبروا كي يقتنوا منها الكثير، فما سر الفرحة التي كنا نشعر بها عند دخولنا البقالة في طفولتنا، لم نعد نشعر بها الآن عند دخول أكبر المولات والأسواق التجارية، رغم توافر كل أنواع البضائع وباستطاعتنا شراءها.

وكان للبقالة في طفولتنا رائحة مميزة، رائحة تملك القدرة على تسريب الفرح إلى أجسادنا الصغيرة، رائحة لن ينساها أطفال 1980 رائحة لا توصف، لكنها لاتنسى وإلى الآن، وربما كنا أوفر حظاً من باقي صغار الحي أنا وكريم، رفيق طفولة تلك الأيام ومن “نجوم السينما المصرية اليوم”، لأننا كنا مدللي جدانا جدي حسين وجده عبد العزيز رحمهما الله، كانا يملكان المال، لكن في بقالة عم جعفر لم يكن للمال الكثير أهمية، كانت ” البريزة الحمرا ـ 10 صاغ أو 10 قروش” الورقية هي بطلة الحكاية وكانت تعني لنا الكثير…

أحن اليوم إلى شقاوة طفولتنا إلى تسلق الأسلاك الشائكة للحديقة وإعتلاء شجرها، والجري خلف رفاق الطفولة، وإرهاق جسد جدي وهو يمتد من النافذة للإطمئنان علي، وقلق جدتي من أن آكل قبل غسل يدي من اللعب بتراب الحديقة، أحن إلى برنامج “ماما نجوى” وإلى مسلسل (أبنائي الأعزاء.. شكراً “بابا عبدو” ) إلى انتظار حافلة المدرسة وترقب ظهور الباص البرتقالي من بعيد، إلى طابور الصباح ونشيد بلادي بلادي لك حبي وفؤادي، إلى معلمتي “مس ليلى”….

الآن أين طفولتنا، أين بقالة عم جعفر، أين رائحتها المميزة، أين الفرحة التي كانت تسكن قلوبنا عند انتقاء حلوياتها، أين الأمان الذي كنا نشعر به مع عم جعفر، أين “البريزة الحمرا ” الورقية القادرة على شراء أشياء متعددة، أين الرفاق، أين أصحاب البيوت، فأكثر ما يؤلم بعد الفقد خلو البيوت من أصحابها، فالبيوت القديمة تغلق على أصواتهم ووجوههم وتفاصيل تقاسمناها يوماً معهم، تغلق البيوت كأنها لم تكن يوماً عامرة بهم، كأن جدرانها لم تشهد ضحكاتهم وهمساتهم وبكاءهم.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp