حياتنا والمشكلات…
بقلم: عمر الشريف
وسيط اليوم
29/9/2023
من منا لا يعاني من مشاكل كثيرة في العديد من جوانب حياته على الصعيد المالي أو الدراسي أو الوظيفي أو الاجتماعي بل وحتى النفسي !
فالحياة التي نعيشها لم ولن تكون خالية من المشاكل المستمرة التي تصيبنا وتشعرنا بالانزعاج وعدم الراحة، فالمشكلة كما نعلم هي الثغرة والفجوة التي تكون بين ما نريده نحن وبين الواقع الذي يفرض علينا ما يريده هو، فالمشاكل بكل بساطة هي جزء لا يتجزأ من الحياة، فليس هناك حياة بلا مشاكل سواء أرضينا بهذه الحقيقة أم لا.
ولكن الحقيقة الكاملة هي أننا نملك الخيار في كيفية التعامل مع مشاكلنا وإيجاد الحلول المتاحة حسب الواقع والظروف المتاحة، فإما أن نعيش في تذمر وحزن وتعاسة مزمنة من جراء مسلسل المشكلات في حياتنا، وإما أن نتعامل مع المشكلة بتفكير إيجابي ونستثمر كل طاقة فينا في التفكير الحكيم نحو كيفية الخروج من هذه المشاكل.
وخير مثال هو سيدنا يوسف عليه السلام الذي صُعق في بداية حياته بغيرة قاتلة من ناحية إخوته، فوصل بهم الحال للتخطيط لقتله فألقوه في غيابة بئر عميق، وما إن تنقذه قافلة عابرة من تلك البئر المهلكة حتى يجد نفسه عبداً يُباع بدراهم معدودة في بلد غريب لا يعرف فيه أحداً، وتمر به أيام حياته ليواجه تهمة مهلكة تكاد أن تودي بحياته ترميه ظلماً وعدواناً في ظلمات سجن موحش، وعندما سنحت له فرصة الخروج من السجن ينسى صديقه في السجن أمره ولا يذكره عند الملك ليفرج عنه فيلبث في السجن بضع سنين أخرى.
كل هذه المشاكل الكبيرة التي حدثت مع سيدنا يوسف عليه السلام كانت كفيلة أن تملأ قلبه غضباً وتزرع في نفسه الانتقام والكره للبشر جميعاً، ولكنه تسامى عن ذلك كله ومضى في حياته قدماً ليصل إلى أعلى مناصب الدولة، ويصلح بدل أن يفسد، ويعمر بدل أن يخرب، ويعفو بدل أن يحاسب وينتقم.
فطريقة تعاملنا مع المشكلات تعتمد بالضرورة على مقدار صحتنا النفسية، فمن يتعامل مع المشكلات بالتذمّر والشكوى والصراخ فهو يتعامل بطريقة سلبية فاشلة وبحاجة إلى مراجعة نفسه، أما من يتعامل من المشكلة على أنها شيء غير مرغوب فيه في الحياة ولكنها واقع من طبيعة الحياة وقدر من أقدار الله بحاجة للتعامل معها وتجاوزها بحكمة، فهو بلا شك يتعامل معها بشكل إيجابي وبطريقة ناجحة وفاعلة ستحل له المشكلة تماماً بدل أن تتكدس فوق مشاكل أخرى دون حل أو تفكير، فالمشكلة قد لا تكون في المشكلة ذاتها بل في طريقة تعاملنا مع هذه المشكلة.
فكيف نتجاوز المشكلات والازمات ؟
من الواضح أن الحياة بشكل عام أصبحت تبتعد عن العفوية والبساطة في مقاربة الأشياء، وتزداد من حولنا الظروف تعقيداً وصعوبة، مما انصبّ على الكثيرين منا كالسيل الجاري من المحن والأزمات المؤثرة سلباً على مختلف جوانب حياتنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض.
غير أن التذكير بهذه الحقيقة لا يعني أن نكون كالريشة في مهب ريح محنة تعصف في أيام حياتنا، ولا أن نقف دون حراك وقد أصابنا الشلل من أزمة فاجأتنا في خضمّ عراكنا مع مجريات أيامنا، وذلك لأني أعتقد جازماً أن الاستسلام الذي قد يخضع له الكثيرون هو بحد ذاته أزمة أدهى وأمر من الأزمة التي قد تصيب الإنسان يوماً ما.
ويطالعنا علماء التنمية وتطوير الذات بخطوات فعالة من شأنها أن تجعلنا نتماسك قدر الإمكان عند الوقوع في محنة للخروج منها سالمين غانمين قدر الإمكان، أو لتجاوزها بأقل الخسائر الممكنة على أحسن تقدير.
وأولى هذه الخطوات أن نتمالك أعصابنا حتى لا نسمح للخوف أو للغضب أو لغيرها من الانفعالات السلبية من السيطرة علينا، لأن السماح لمثل هذه المشاعر بالتغلغل فينا من شأنه أن يغلق علينا التفكير الإيجابي في حل المشكلة ولن يساعدنا في اتخاذ القرار الصحيح.
ومن المهم جداً أن نختلي بأنفسنا في مكان هادئ بعيداً عن كل ما قد يشتت أذهاننا أو يثير فينا ضغوطاً إضافية، حتى نفكر فيه بهدوء بيننا وبين أنفسنا، لنحلل الأزمة بشكل موضوعي من خلال أن نجيب على أسئلة محورية: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولمَ حدث؟ ومن هو المسئول عما حدث؟ وكيف نعالج ما حدث؟ ولكن قبل كل شيء علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا في الإجابة، وصريحين مع ذاتنا في تفسير ما حدث، دون محاولة التهرب من تحمل المسئولية حتى نقدر على التحليل السليم والمنطقي لما حدث معنا.
ومن المهم جداً في كثير من الأحيان أن نستشير من نثق به من أهل الخبرة والعقل والأخلاق، لمعرفة رأيهم في الوصول إلى حل لهذه المشكلة، فالمشورة قد تفتح لنا في أذهاننا أبواباً جديدة للحل، وتوقظ فينا فكرة ما كانت تخطر لنا على بال.
ويأتي بعد ذلك أن نتخذ قراراً حازماً إيجابياً في كيفية التصرف المناسب أمام هذه الأزمة، ولا بد أن يكون هذا القرار حازماً وشجاعاً، وأن نلتزم بتطبيقه على قدر وسعنا وطاقتنا، وضمن إمكانياتنا التي قد صارحنا أنفسنا فيها، ولنحذر من التردد بعد اتخاذ القرار ومن العمل وفق مبدأ ردة الفعل، لأن ذلك تصرف غير عقلاني كونه لا يعتمد على منطق أو رؤية واضحة.
وبعد كل ذلك قد ننجح أو نفشل في معالجة هذه الأزمة أو تلك بعد اتخاذ كل الطرق السليمة لحلها، فنجاحنا في تجاوز الأزمة سيزيد من ثقتنا من أنفسنا ويجعل رصيد نجاحنا في الحياة أعلى وأكثر قيمة، بينما إذا فشلنا فلنجعل من فشلنا درساً بليغاً يزيد من خبرتنا في التعامل الصحيح واختيار الحل الأمثل لحل الأزمات، فالخبرة الحقيقة لا تأتي من التجارب الناجحة فقط، ولنفكر على الدوام أن لكل سؤال جواب، ولكل محنة مخرج، وعلينا فقط أن نجد الطريق، ولنكن واثقين من أننا ستعثر على هذا الطريق.
المزيد من الموضوعات
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف
“تغيير الأدوار: كيف تتطور مسؤوليات الرجل والمرأة اليوم؟”…