التنجيم بين العقل والنفيس
قبيل بداية كل عام ميلادي تتسابق الفضائيات باستضافة شخصيات مختلفة لتذيع أخبار توقعاتها واستشراف المستقبل حول أحداث العام الجديد، ويسارع الناس في تناقل هذه التوقعات والمفاضلة بينها وبين ما حدث في العام الماضي، حتى يصبح الأمر خارجاً من إطار التوقع والتنبؤ إلى إطار الأكيد والحتمي.
وصناعة التنجيم والتعلق بمواقع النجوم صناعة قديمة في تاريخ البشرية حسب الاعتقاد الشائع بأن لحركة الأفلاك والنجوم والشمس والقمر تأثيراً في أحداث ومجريات حياة الناس على الأرض، وهناك فرق كبير وشاسع بين علم الفلك الذي يقوم على أصول استكشاف الكون من خلال منهج بحث علمي رصين، وبين صناعة التنجيم التي تقوم على الظن والتخمين وادعاء ارتباط مواقع النجوم بواقع حياة الناس دون أي دليل أو برهان منطقي.
فمن تأمل في حال الكثيرين ممن يتعلقون بأخبار التنجيم والأبراج، يراهم يصدقونها ويعتقدونها حقيقة كونهم يريدون التصديق بها أساساً هكذا دون أي منطق أو تفكير، فإيمانهم بالتنجيم إيمان نفسي مزاجي فقط ينبع من ضعف وعجز الإنسان في معرفة الغيب.
وسر انجذاب الكثير من الناس للمنجمين والمتنبئين هو الخوف والقلق من المستقبل، والحاجة النفسية للشعور بالأمان مما سيأتي، والشغف بحب معرفة المستقبل والاطلاع على الغيب، وهنا تضغط هذه الحاجة النفسية لكي تزيد من سوق التنجيم والتنبؤات، وتجعل الملايين من الناس يسارعون لمتابعة تلك الشخصيات الشهيرة لكي تجد غايتها في معرفة ما سيحدث لها على الصعيد الاجتماعي أو العائلي أو المادي وحتى العاطفي.
وقد كشف بحث علمي، أجراه علماء من جامعة “كارولينا الجنوبية” الأمريكية، عن أن التنجيم يؤثر سلباً على الصحة النفسية والمزاج المعتدل لمن يهتم به ويتابعه باستمرار، حيث يصبح هؤلاء الناس يقومون بسلوكيات عشوائية وقرارات غير منطقية لا تعتمد على التفكير والواقع، بل وتصبح سلوكياتهم متهورة ومؤذية في حال أن المنجمين أخبروهم بتوقعات سلبية، نظراً لأنهم يعيشون دائماً بالخطر الدائم من انتظار وقوع أحداث سيئة في حياتهم.
وعلى الطرف الآخر فإن من لا يهتم بأخبار وتوقعات المنجمين، فإنه غالباً يعتمد في معالجة قضاياه اليومية على عقل منطقي وتفكير محكم، ولا يدع مزاجه النفسي وقراراته عرضة للتأثير بكلام عشوائي أو أية عبارات إيحائية تجعله حبيس أوهام لا علاقة لها بالواقع والحقيقة.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين