وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: من مكونات الهوية

من مكونات الهوية

“يقول الشيخ عبد القادر المغربي في كتابه “الاشتقاق والتعريب” ولما أنزل القرآن وهو المعجز، تضمن كثيراً من الكلمات الأعجمية التي أدخلها العرب مع بضائعهم، وصقلها بلغاؤهم وشعراؤهم بألسنتهم، حتى أصبحت بذلك فصيحة كسائر فصيح كلامهم، ولم ينزل بها القرآن عن درجة بلاغته، ولم تفارقه مزية إعجازه، وقد تتبعها السيوطي (الكلمات الأعجمية في القرآن) فبلغت زهاء مئة كلمة”.

وحدد الرسول الكريم مفهوم العربي حين قال:” ليس العربية لأحد بأب أو أم، من تحدثها فهو عربي” من هنا أصبحت مصر القبطية عربية، والسودان والمغرب العربي الذي كان يتحدث اللغة البربرية عربياً، فحين يتقنها أي إنسان فهو عربي من دون الالتفات إلى جنسيته التي يحملها.

وحين اختار الله سبحانه وتعالى اللغة العربية لتحمل القرآن الكريم وحين جعله عربياً “إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون” فلأنها اللغة التي تحمل مفهوماً دقيقاً للكلمات والمعاني، أي أنها اختصت بالحركات والأفعال والأسماء اختصاصاً دقيقاً، فعلى سبيل المثال: الأفعال “جاء ـ أتى ـ وصل” لها دلالات مختلفة عن بعضها، على الرغم من تشابهها عند عامة الناس، وعلى الرغم من وجود اسم واحد في اللغات الأخرى للفعل الواحد…

اللغة من مكونات الهوية، والأمم المتقدمة والواثقة والمنتصرة لا تفرط في لغتها ولا تتهاون حيالها، بينما الأمم المتخلفة والمهزومة أو الغير واثقة بنفسها، تعيش نوعاً من الازدواجية والانفصام في علاقتها بلغتها، فالبعض يتحدثون ويكتبون بلغة غير لغتهم سواء في المجالس أو الكتابة على الفيس وفي تويتر، حيث تجد الكثير من المفردات في كلامهم بغير اللغة العربية، والكتابة بـ “الافرانكو عرب” تعبيراً عن الاستلاب أو التماهي في ذاك السائد المسيطر، فيكفي ما يكفي لما تتعرض له لغة الضاد.

فرحنا بما أتاحته لنا وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي من إمكانات تعبير حر لمختلف البشر، فإن هذا الفرح مشوب بغصة ناتجة عن الحالة المزرية التي تظهر بها لغتنا العربية على يد أبنائها، ولعل الكثيرين لا يعرفون أن العربية كانت يوماًعولمة ذاك الزمان ” لغة زمانها” وكان كل باحث أو عالم أو مفكر يعمد إلى إتقان العربية لتسهل عليه مهام البحث أو العلم أو العمل، ولن نعمد هنا إلى تعداد أسماء العلماء والمفكرين الذين ينتمون إلى أمم وشعوب ولغات شتى، لكنهم أتقنوا العربية وقدموا بها من خلال إسهامات كبرى في الحضارة الإنسانية، التي ما زالت إلى يومنا هذا تستنير بهم وبمؤلفاتهم، لكننا نكتفي بإيراد معلومة تؤكدها الباحثة الأكاديمية الإماراتية “الدكتورة فاطمة الصائغ” مفادها أن ثمة عشرة آلاف كلمة في اللغة الإنجليزية اليوم من أصل عربي.

لو كانت الفضائيات العربية والمؤسسات الإعلامية حريصة على لغتنا العربية، التي هي أبعد بكثير من أن تكون مجرد أداة تخاطب، بل هي حاملاً ومكوناً للهوية الوطنية والقومية، لوضعت شرطاً على كل راغب في العمل معها، هو إتقان اللغة العربية، مع إدراكنا أن مسألة اللغة وسُبل الحرص عليها تحتاج إلى جهود تبدأ من البيت مروراً بالمدرسة ثم الجامعة، ولا تنتهي بمؤسسات العمل بل المجتمع كله.

ـ اللغة كساء الفكر.. صمويل جونسون
ـ اللغة ضوء العقل.. جون ستيوارت ميل
ـ اضمحلال اللغة هو اضمحلال الجماعة.. يوسف زيدان
ـ العرب فتنتهم لغتهم الجميلة، فحولوها إلى وثن يعبدونه.. مالك بن نبي
ـ إذا كان الفكر يفسد اللغة فبإمكان اللغة كذلك أن تفسد الفكر.. جورج آورويل.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp