انتبهوا أيها الحمير!!
…
..
.
قيل بأنّ فلاحاً فقيراً اشترى حماراً فمن فرط سعادته به، ومن شدة قربه منه.. وكأنه قد صار فرداً من أفراد الأسرة، اصطحبه معه إلى سطح الدار.
وكان السطح من الخوص والألواح الخشبية القديمة. فظلا معاً فوق السطح يشرح للحمار الطرق والدروب من الأعلى، وأيضاً المسالك المختصرة من الغيط إلى حيث المسكن. حتى لا يتوه الحمار إن عاد -يوماً- منفرداً بذاته للبيت.
ثم أخذ يعرفه على بيوت الجيران، وأسطح الأقارب والخلان، ويحكي له عن شح هذا وكرم ذاك، وعن أخلاق هؤلاء وخسة أولئك، وعن بعض المواقف والمشاهد التي حدثت له مع من حوله من البشر. حتى أسهب فشكى له بحرقة عن نذالة بعضهم، وعن احتقار البعض الآخر. والحمار يسمع ويهز رأسه ممتعضاً تارة، ومسروراً تارة أخرى.. وكأنه يفهم ويعي!
ظل الفلاح ينوح للحمار طوال النهار، وكأنه صديقه الذي وصل للتو من السفر، فأخذه في رحلة ذكريات طافت الآفاق دون أن يبرحا المكان، كل ذلك والحمار يستمع، ويبدو عليه كل علامة التفاعل، بيد أن الغالب كان السرور والحُبُور، بعدما رأى الدنيا من فوق! وهو الذي ظل طوال حياته يحلم بأن ترتفع رأسه عن البرسيم متراً. لكن حل المساء!
وعند حلول المساء وقرب موعد العشاء أعلن الفلاح أن الرحلة بإنتهاء، وأن لا بد من الهبوط، قبل أن تنعته الزوجة بكل النعوت. فحاول جر الحمار لينزله. لكن الحمار أبى وتسمَّر، ثم أدبر واستكبر. معلناً رفضه النزول مرة أخرى. فحاول الفلاح بكل قوة دون جدوى! وعند ملله منه أجهز عليه بعصاة غليظة. وهنا زاد عناد الحمار، وثار على صاحبه، ثم أخذ يرفس ويضرب الأرض بحوافره المدببة، مما جعل سقف البيت ينهار على من فيه.
لم يجد الفلاح بُداً سوى سرعة إخلاء أهله من الدار قبل أن ينهار عليهم السقف من فوقهم! وأخلاء أهله.. بعدها سقط السقف بالحمار ميتاً مدرجاً بالدماء. فوقف الفلاح فوق رأسه ونظر إليه وقال بحسرة: ليس عليك ذنب يا صديقي، فالذنب كل الذنب على من رفع قدرك فوق الرؤوس.. ومكانك الأصيل بين الأبقار والجاموس!
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف