وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

من هنا تأتي أهمية بحوث العمليات في التحليل الصحيح لحل مشاكل الإنتاج

من هنا تأتي أهمية بحوث العمليات في التحليل الصحيح لحل مشاكل الإنتاج..

 

بقلم/لواء مهندس السيد نوار  

وسيط اليوم 

21/3/2022

 

من القصص العجيبة في الحرب العالمية الثانية : أن البريطانيين لاحظوا أن الطائرات التي كانت تخرج من المعسكرات للقتال على الجبهة الألمانية، يسقط عدد كبير منها بقذائف العدو، و القليل الذي يعود لا يعود سالماً، بل ترجع الطائرات وقد أصيبت في أماكن متفرقة…

لذا فكر مهندسو سلاح الطيران في حل لتقليل تلك الخسائر، وأول ما فكروا فيه أن الطائرات تحتاج لدروع لتحميها من الرصاص والقذائف، لكن المشكلة أنه لا يمكن تدعيم الطائرة بالكامل بالدروع ؛ لأن الوزن سيكون ثقيلاً، وسيمنعها خفة الحركة…

ونظراً لقدراتهم محدودة في هذا الوقت وإفتقارهم للإمكانيات العلمية الدقيقة التي تحدد المناطق الضعيفة التي تحتاج إلى التدعيم ، كان عليهم أن يخمنوا باستخدام الإستدلال المنطقي…فلاحظوا الآتي :

الطائرات التي (عادت) كانت مصابة بآثار الرصاص في الجناحين ومنتصف الطائرة بشكل مكثف، وبدرجة أقل في الجناح الخلفي، في حين أن كابينة الطيار والذيل لم تُمس تقريبا…

وبالتالي توصلوا إلى إستنتاج مهم : نحن في حاجة إلى تدعيم الجناحين ومنتصف الطائرة، لإنها الأماكن التي يسهُل إصابتها فيما يبدو…وبالفعل تم عمل التدعيم للطائرات الجديدة، وترقب المهندسون النتائج….ثم كانت المفاجأة…!!لم يحدث أي تغير، لازالت أغلب الطائرات تتحطم، و يعود القليل . 

إذن أين الخلل…؟

هنا قرر الجيش الإستعانة بعلماء من خارج التخصص، و وقع إختيارهم على العالم : أبراهام والد وهو عالم رياضيات، هرب من فيينا بسبب الحرب، وفقد الكثير من أفراد أسرته…

وهنا كانت المفاجأة الثانية!! لقد قلب العالم والد المفاهيم…!!

و أخبرهم أنهم ببساطة إستخدموا منطقاً معكوساً للنظر في تلك المسألة، فالطائرات التي فحصها المهندسون، والتي تلقت الرصاص في الأجنحة والمنتصف، هي ببساطة الطائرات التي نجت…أي أنها تحملت هذه الأصابة ولم تسقط…بينما لم تعد طائرة واحدة مصابة في كابينة الطيار أو الذيل…بما يدل أن هذه هي الأماكن الهشة فعلاً، و هي التي تحتاج إلى التدعيم.

تأكدت صحة فكرته عندما جرب المهندسون تدعيم المناطق السليمة، وبالفعل ارتفعت نسبة الطائرات الناجية بمعدل فارق، فتم تطبيق المبدأ على بقية أسلحة الجيش…

هذه القصة صارت بعد ذلك نموذجاً لما يسمى بتحيز الاختيار، والذي يعنون به أن تحليل المعلومات قد يخضع لعملية انتقائية بناء على معطيات غير دقيقة و ذلك يؤدي إلى نتائج غير صحيحة…

وأطلقوا على هذا النوع : تحيز البقاء على قيد الحياة..وكان لهذا أثرا كبيرا في الكثير من العلوم بعد ذلك…

يوجد الكثير من القصص لمصائب أتت من الإستخدام الخاطئ لتحليل البيانات سواء لقلة خبرة من يوكل لهم تحليلها أو في الإستعجال في بناء النماذج والقفز على النتائج.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن