وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: ذكرى التضامن العالمي للطلاب…

أسامة حراكي يكتب: ذكرى التضامن العالمي للطلاب…

كتب/أسامة حراكى

وسيط اليوم

21/2/2023

 

تحل في الحادي والعشرين من فبراير من كل عام ذكرى يوم الطالب العالمي، وهو اليوم الذي تضامنت فيه الحركات الطلابية في العالم أجمع مع الحركة الطلابية في مصر، وانطلقت المظاهرات في أرجاء العالم، تضامنا مع المظاهرات الحاشدة للآلاف من طلاب جامعة فؤاد الأول “جامعة القاهرة حاليا” التي خرجت من الجامعة إلى قصر عابدين مقر الحكم الملكي وقتئذ في يوم 9فبراير 1946، للمطالبة بجلاء الإنجليز ووقف المفاوضات الهزلية بينهم وبين الحكومة المصرية، والتي ما إن وصلت فوق كوبري عباس حتي فتحته الشرطة “كان قابلا للفتح لمرور السفن أسفله” بأمر رئيس الوزراء ووزير الداخلية محمود فهمي النقراشي باشا، مما أسفر عن سقوط الطلاب في النيل وغرق الكثيرين منهم، ومحاصرة الباقين أعلى الكوبري، وإطلاق الرصاص عليهم، وإلقاء القبض على من نجا منهم، وهي الأحداث التي صورها فيلم (في بيتنا رجل) قصة إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات.

بدأت الأحداث عندما شكل محمود فهمي النقراشي باشا الحكومة في24 فبراير1945، محاولا إعادة فتح باب المفاوضات مرة أخرى مع بريطانياحول الجلاء، وكان الشعب المصري تحدوه آمال عريضة في قرب الاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة التي أخذت تلعب دوراً مناصراً للشعوب في تقرير مصيرها، ولكن بريطانيا أكدت على ثوابت ومكتسبات معاهدة الصداقة والتحالف التي عقدتها مع مصر عام 1936 والتي أعطت مصر استقلالاُ منقوصاً، مما أشعل مظاهرات عارمة للطلاب في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء وقطع المفاوضات.

وفي 9 فبراير 1946 عقدت اللجنة التنفيذية العليا للطلبة “كانت بمثابة الاتحاد العالم للطلاب” مؤتمرا عاما في جامعة فؤاد الأول “جامعة القاهرةحالياً” لمناقشة حال البلاد في ظل الاحتلال، شارك فيه الكثير من طلاب المعاهد والمدارس، وهاجم المؤتمر مبدأ الدفاع المشترك مع بريطانيا الذي يحمل معنى الحماية الاستعمارية، وأعتبر المفاوضات عملاً من أعمال الخيانة يجب وقفه، وطالب بإلغاء معاهدة 1936واتفاقيتي 1899الخاصتين بالسودان وضرورة جلاء القوات البريطانية فوراً.

ثم خرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، فعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس، وما إن توسطته حتى حاصرها البوليس من الجانبين وفتح الكوبري عليها وبدأ الاعتداء على الطلاب، فسقط البعض في النيل وقتل وجرح أكثر من مائتي فرد، وفي ذات اليوم حدثت مظاهرة في المنصورة أصيب فيها 7 شبان و 3 جنود واعتقل 4، كما اعتقل عدد من الشبان في أسوان، وفي اليوم التالي عمت المظاهرات القاهرة والأقاليم .

وفي12 فبراير أقيمت جنازة صامتة على روح الشهداء، وصلى طلاب الأزهر صلاة الغائب عليهم، ووقعت اشتباكات بين الشباب والبوليس أمام كلية الطب لفض مؤتمر عقده الطلبة بالكلية، واعتقل عدد يتراوح ما بين 36 و 50 شابًا، وحدثت اشتباكات آخرى في الإسكندرية أسفرت عن بعض الإصابات، كما خرجت مظاهرة بالزقازيق قتل فيها اثنان، وفي المنصورة قتل شاب وجرح المئات.

وصادرت الحكومة الصحف التي كانت تنشر أخبار المظاهرات وحوادث الاشتباك مع البوليس مستخدمة قانونا يحظر نشر أخبار سواء صحيحة أو كاذبة عن حوادث الإضراب أو المظاهرات التي يقوم بها الطلاب أو غيرهم حتى لا تسري عدوى “الهياج العام”، ولكن ذلك لم يمنع الهيئات المختلفة من الاحتجاج على القمع الحكومي للمظاهرات، فأعلن كل من اتحاد خريجي الجامعة واتحاد الأزهر وكلية أصول الدين ولجان الوفد بالأقاليم ومصر الفتاة والفجر الجديد وهي جماعة يسارية ذات صلة قوية بالحركة العمالية في ذلك الوقت، أعلنوا جميعاً الاحتجاج، وأصدرت الحكومة قراراً بتعطيل الدراسة ثلاثة أيام، ومع ذلك فقد اتسعت دائرة الأحداث في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وشبين الكوم والزقازيق والمحلة الكبرى وطوخ وأسيوط في الأيام التالية، وعطلت الدراسة في الإسكندرية أسبوعاً .

ولم تعد المظاهرات قاصرة على الطلاب والشباب وإنما انضمت إليها الجماهير من كافة الفئات، ففي 15فبراير خرجت مظاهرات بعد صلاة الجمعة تهتف بالجلاء وبحياة الشهداء، وتجمعت الجماهير من الغورية والموسكي والعتبة وشارع فؤاد من الشباب والعمال وطافت بحي بولاق أبو العلا تهتف بسقوط الاستعمار، كما حدثت مظاهرة عنيفة في بورسعيد بعد صلاة الجمعة تصدى لها البوليس بوحشية فأصيب عدد كبير من المتظاهرين واعتقل 65 متظاهراً، كما تجمعت بعض المظاهرات من الشباب والطلاب أمام القصر الملكي بعابدين تهتف بالجلاء والوحدة مع السودان وسقوط الاستعمار، وفي 16 فبراير أغلقت المحال العامة في الأحياء التي يسكنها أغلبية من المصريين احتجاجاً على الأحداث وحداداً على القتلى، وقامت مظاهرات في حي الأزهر.

وقد أسفر كل ذلك عن نشوب احتجاجات واسعة على مستوى الجمهورية ليبدأ يوم 21 فبراير 1946الإضراب العام ضد سلطات الاحتلال البريطاني رداً على أحداث 9 فبراير، والذي دعت إليه اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، وسمته “يوم الجلاء” وحشدت له حوالي 100 ألف شخص، كان من بينهم عناصر من الوفديين والشيوعيين وغيرهم من القوى الوطنية الديمقراطية، وأصدرت اللجنة ميثاقا وطنيا حددت فيه أهداف الشعب وعلى رأسها الجلاء التام عن مصر والسودان، وأضربت مصر كلها في هذا اليوم وخرجت المظاهرات تطوف الشوارع، وأدى الإضراب إلى التحام الطلاب مع القوات البريطانية في ميدان الإسماعيلية “التحرير حاليا” حيث كانت ثكنات الجيش البريطاني التي فتحت النار على المتظاهرين، فقام الطلاب بحرق أحد المعسكرات البريطانية، فاقتحمت السيارات العسكرية البريطانية المظاهرة، واصطدمت بالجموع المحتشدة، وأسقطت 23 قتيلاً و121 جريحاً، وامتدت ثورة الطلاب إلى أسيوط جنوباً والإسكندرية شمالاً، وأسفرت تلك الأحداث عن 28 قتيلاً و432 جريحاً، بعدها تضامنت الحركات الطلابية في العالم أجمع مع الحركة الطلابية في مصر، وأصبح ذلك اليوم هو اليوم العالمي للطالب المصري.

وعلى الرغم من فداحة الأحداث منح الملك فاروق رئيس الوزراء النقراشي باشا نيشان محمد علي، ثم أقال الحكومة وكلف إسماعيل صدقي باشا بتشكيل حكومة أخرى يوم 16فبراير 1946.

ويخلط الكثيرون بين أحداث كوبري عباس عام 1946 وأحداث كوبري عباس عام 1934، ففي الأولى شكلت وزارة توفيق نسيم باشا فى 14 نوفمبر1934، واستصدرت أمراً ملكياً بإبطال العمل بدستور 1930 الذي كان يلقى سخطا شعبيا هائلا، إلى أن يوضع نظام دستوري جديد يحل محل دستوري 1923و1930، وفي 9 نوفمبر 1935صرح السير صمويل هور وزير الخارجية البريطاني بأن دستور 1923غير صالح للعمل به في مصر، وهو الدستور الذي كان يلقى قبولا شعبيا كبيرا، وأن دستور 1930 ضد رغبة الأمة بالإجماع، فأثار هذا التصريح الشارع المصرى ونزع فتيل اندلاع مظاهرات كوبرى عباس الأولى في13 نوفمبر 1935، والتي تزامنت مع الاحتفال بعيد الجهاد في13 نوفمبر، فتحول الاحتفال بهذا العيد إلى مظاهرات عارمة تندد بتصريح هور وتنادي بسقوط الحكومة، وخرج طلاب الجامعة وانضم إليهم طلاب مدرستي التجارة المتوسطة بالجيزة والسعيدية في مظاهرات حاشدة، هاتفين ضد تصريح هور وإنجلترا ومنادين بسقوط الحكومة، وحدث صدام بين البوليس والطلاب عندما حاولوا اجتياز كوبري عباس، وأطلق البوليس النار على من عبره منهم، وسقط عدد من الجرحى والشهداء، ثم ألقى هور خطابا خفف فيه من تصريحه السابق، ومع ذلك فإنه تحت ضغط الحركة الطلابية استجاب للرأي العام وأعلن أن يوم 21 نوفمبر 1935 سيكون إضراباً عاماً.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp