وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

المؤنسات الغاليات بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة

المؤنسات الغاليات
بقلم الأديب المصرى
د. طارق رضوان جمعة

د طارق رضوان


هِيَ الَّتِي تُذهِبُ الأَحزَانَ فِي كَلِم
تُزِيلُ عَنِّي صُنُوفَ الغَمِّ وَالكَمَدِ
تَقُولُ: يَا أَبَتِي، لَا تَحزَنَنْ أَبَدًا
وَدُم بِخَيرٍ وَإِيمَانٍ إِلَى أَبَد
ِ هَذِي الدُّنَى يَا أَبِي تَفنَى عَلَى عَجَل
ٍ فَخَلِّهَا سَرمَدًا وَاقصِد إِلَى الأَحَدِ

وما الأمان يا بنيتى سوى رب ثم أب؟ فكل تجعيدة فى وجهى هى قصة نعيم عشت أنت فيه. فهل يغدو البحر بحراً دون ماء؟ وكيف تستقيم لك الحياة دون كد أب وكفاح! فأنا نبع أمالك ووردتها، وضؤ حياتك، فأنا لك شمس الأمانة ومثال الرفق والتفاني.

ورغم كل محبنى لك يا مؤنستى الغالية؛ إلا اننى أجد نفسى قزما ضئيل الحجم أمام عطفك ورفقك بى. كم يبلغ سرورى حين أسمع همسك، كم اتعلم منك يا صغيرتي حين تخبرينى أن بيت ليس فيه أب كثيرون هم غزاته.

فمتعتى فى وجودى معك فى أوقات ضيقك قبل فرحك أنيسا وجليسا . ولتعلمى علم اليقين بأننى درعك وسيفك فى الحياة ما بقيت حيا. ولا تحزنى إذآ ما مررت بكربة فأن العُود لا يزيده الاحتراق إلا طيبًا ولعل الله جل وعلا قد هيّأك لأمر عظيم لا يليق به إلا قلب نضج وعرف ماهية الحياة وتعلّق بربّه جل في علاه فامسحي عنك الدموع.
وكيف لا أشعر بحبى لملاكى الحارس بعد أن انشدتنى قائلة :

والله لو وقع الغبار على قميصك لانثنى قلبي عليك ولاضطرب.
هى قرة العين ، وهى الصديقة للسر تؤتمن. حفظها الله وأسعد قلبها فرحا بلا أَمَدِ، فمشاعري أكبر من أن أسطرها على الورق:
بُنَيَّتِي قُرَّتِي، شُكرًا عَلَى جُمَلٍ تَشِعُّ نُورًا مِنَ الأَعمَاقِ وَالجَسَدِ
جَزَاكِ رَبُّ العُلَا وَالفَضلِ مَكرُمَةً وَجَادَ مِن جُودِهِ جُودًا بِلَا أَمَدِ

يقول الحبيب المصطفى فى حديث صحيح ” لا تَكْرَهوا البَناتِ ، فإنَّهنَّ المُؤْنِساتُ الغالياتُ ” أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحب البنات في هذا الحديث وحسن رعايتهم ورحمتهم . ووصف النبي البنات بانهن المؤنسات أى يستأنس بهن وذلك للطف حديثهن ورحمته الاب والام والاخوة . والأنس يأتي من حسن الحديث من البنات ولين عريكته ورقة الفتاة وحساسيتها . اما وصف البنات بأنهن الغاليات يشير إلى علو قدر البنت لدي ابويها فهي تحنو على الكبير والصغير .

وهذه نظرة الإسلام للمرأة وهى نظرة مختلفة بالكلية عن النظرة الجاهلية السابقة للإسلام حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم ” وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به “ وفي التعبير القرآن يصف حال المشركين والعرب في الجاهَلْية إذا ما بشر أحدهم بخلفه الأنثى حيث كانوا يعتبرون ذلك عار.
ابنتي يا سلوة الفؤاد وريحانة الخاطر وحشاشة القلب أبعثُ إليك روحي وأسطرُ لك مشاعري وأنسج لك خيوط حبي. كم أنسى الدنيا ونصبها عندما أراك تلعبين بين يدي. نبض قلبى انت وبسمة ارتسمت على شفاه حياتي وزورقًا من حب أبحر في شطآن ذكرياتي
ولو خيّرت بين الدنيا وبين ابتسامتك الحلوة لاخترتُ ابتسامتك فهي كالشمس تعيد الحياة لقلبي وتنير الأمل لدربي.
أملي يا ابنتي أن أرى قدوتكِ في الجهاد نسيبة، كوني في الحق كالحديد لا تراعي من الباطل ونقمته ولا يغرنك خلخاله ورونقه، كونى خولة بنت الأزور في الشجاعة، وعائشة بنت الصديق في العلم، وسمية في الشهادة، وأسماء في تحدي الأخطار، وآسيا بنت مزاحم في الثبات، ومريم بنت عمران في الصبر على المدلهمات، وأم موسى في اليقين، والخنساء في التضحية، وفاطمة بنت محمد في الحياء. كونى تفيو نقية

لم أجد لك مظهرا اجمل من العفة، ولم أجد لك هدية فى الدنيا اجمل من سجدة أو دمعة تتناثر منكِ في جوف السحر فتكون كنجم مضيء يتلألأ في ليلة ظلامها حالك. الرضا بالقضاء بُنيّتي هو رأس الأمر والإيمان بأن ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا وأن أمر المؤمن كله له خير وأن كل ما هو مقدّر يجب أن نستقبله بقلب مطمئن ونفس راضية. أحبك يا جميلتي وحبيبتي وقرة عيني وأجمل هدايا الرحمن لي فإذا كنت قد استطعت أن أكون أب صالح لكي عديني أن لا تضعفي وأن لا تستسلمي أبدًا لأحزانك وأن تكوني ناجحة دائمًا في كل حياتك
وختاما فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالمرأة في أكثر من حديث وأكثر من موضع من بينهم الحديث موضوع المقال . كما قال صلى الله عليه وسلم ” استوصوا بالنساء خيرا  ” وذلك في آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم قبل وفاته في خطبة الوداع . وبين رسول الله ان البنات يدخلن ابويهم الجنه اذا ما احسن تربيتهم وكان رؤفا بهم رحيما عليهم فقال صلي الله عليه وسلم «مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة» .

يَا ابنَتِي – أُوصِيكِ فِي حِكَمٍ فَهَاكِهَا وَإِلَهُ العَرشِ مُعتَمَدِي: كِتَابُ رَبِّكِ دُستُورٌ وَمَوعِظَةٌ فَلْتَحفَظِي آيَهُ تُهدَيْ إِلَى الرَّشَدِ وَسُنَّةُ المُصطَفَى الهَادِي بِهَا دُرَرٌ هُمَا سَبِيلُ هُدَى مَولَاكِ فَاعتَمِدِي
وَلْتَحذَرِي فُجرَ مَن يَدعُو لِفَاحِشَةٍ فَالعُريُ قَد شَاعَ فِي قَومِي وَفِي بَلَدِي
وَاستَمسِكِي بِالهُدَى دَومًا بِلَا شَطَطٍ وَلْتَطلُبِي عِلمَ دِينِ اللهِ وَاجتَهِدِي
صِرَاطُ رَبِكِ كُونِي فِيهِ سَائِرَةً عَقِيدَةَ السَّلَفِ الأَبرَارِ فَاعتَقِدِي
سِيرِي كَمَا سَارَ أَسلَافِي عَلَى عَجَلٍ فَهْوَ النَّجَاةُ وَذَاكُم أَمتَنُ العُدَد

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp