وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: قلبظ يتنفس

عمر الشريف يكتب: قلبظ يتنفس

كتب عمر الشريف

وسيط اليوم

6/7/2023

استيقظ على جرس منبه الساعة، فقرر أن يستزيد عشر دقائق إضافية من النوم لينهي أحلامه ويرتب صحوته؛ ثم نهض تجره رجلاه إلى باب الحمام بعينين مغمضتين تحلق فوقهما سحابة نوم عميق.

ابتلعه باب الحمام وتلقفته يد الصنبور، بلل وجهه النائم ليفتح عينيه أمام المرآة التي اعتلت ظهر الصنبور، يصافح في المرآة وجهاً رأه قبلاً، ويحلق لحية أرحها شهور.

همست له شفتاه: ملامحك ليست بخير، أرق يستلقي على الجفون وسواد يعتليهما، زرقة تحوم حول الشفتين وقرصة بعوض تستقر بين الحاجبين.

اللعنة متى كانت آخر مرة رأى فيها وجهه بدون ندوب ولا علامات؟ أغلق الصنبور وخرج متعثراً بقطته الصغيرة أمام الباب.

– ابتعدي أنتي الأخرى..
رمقته بعينين جاحظتين غاضبتين وصبت عليه اللعنة بموائها الخافت، ثم قفزت نحو ركبته لتحدث خدوشاً بها، أبعدها منه وهو يمر بسرعة على حواري الفيسبوك، لا شيء لا يمكن تأجيله،

يرتدي ملابسه ويحاول أن يضيق خناق ربطة عنقه التي التوت على رقبته كأفعى تخرج لسانها الطويل السام، لتضعه على صدره ممدداً على القميص، بدا له أنه في كامل أناقته بعد أن أحكمت ربطة العنق خناقها عليه، التفت يميناً ليجد حذاءه فاغراً فاه وقد تأكلت شفتاه واعتلاه غبار أشعث، مد يده إلى منديل كان على سطح المائدة دون مبالاة، وحمله بتثاقل يمرره على فم الحذاء في صمت عميق وهو يشعر بأن جلده يتساقط ارباً اربا، حمله بيديه واقترب بفمه وهو ينفت أنفاسه الصباحية في وجه الحذاء، تأفف الحذاء من فعلته وعطس بكل ما أوتي من جلد ليتطاير فتاته في الهواء، ألقى قلبظ بالحذاء من يده ليرتطم بالأرض محدثاً صوت ألم انكسرت معه فقرات العمود الفقري للحذاء.. أدخل رجله الضخمة صاحبة الخمسة والأربعين في فوهة الحذاء مردداً بصوت متقطع مرتعش:
– منتجات الصين كذبة وضياع مال…
علق الحذاء في قرارة نفسه، فقد تحجر الكلام في حلقه وفاض به.

تأبط محفظته الجلدية المهترئة ومرر يده على مقدمة شعر رأسه، نزل السلم المؤدي إلى باب العمارة وروائح نتنه تزكم أنفه، ألقى تحية مبعثرة على بواب العمارة، وأخذ يهرول في الشارع كالمجنون ليلحق بالحافلة الأخيرة، يجري ويلهث وتلهث معه ربطة العنق جيئة وذهاباً، وحذاؤه الجلدي يتأفف من هرولته ويفسح المجال للأصبعين الصغيرين من القدم لالتقاط بعض حبات الهواء الممزوجة بدخان السيارات، وإلقاء نظرة خاطفة على زحمة المرور.

صعد الحافلة وقد تحول منظره الأنيق إلى رجل مبعثر الملامح والملابس، فشفتاه تدلتا حتى وصلتا ذقنه، أما عيناه فقد انسكبتا على الخدين، بينما لسانه خرج لاهثاً ورمى بنفسه على عنق الرجل الذي يجلس أمامه حتى كاد يلامس ربطة العنق، وضع جسده موارباً بين أجساد أشخاص يحكمون قيضتهم في سقف الحافلة، همس بالأه من داخله، وعيناه تطوي الوجوه العابسة لركاب الحافلة طياً.

يستمع لراديو الحافلة وهو يتحدث عن الحد الأدنى للأجور، تستهويه اللعبة، يجمع ساعات عمله ويضربها بالرقم “الإذاعي” ويعيد الضرب والقسمة، وتضيع النتيجة، فيعيد الحسبة ويقول: كسرة الخبز تتطلب كل هذا العناء؟

شغر الركاب أفواههم للإجابة، لكنها تلاشت مع غبار المكان واستحالت ضباباً كثيفاً تبخر من فتحة سقف الحافلة صاعداً نحو السماء.

خلف مكتبه يشرب الشاي ويحسب بالورقة والقلم ويطمئن على حاله، يخرج من حقيبته برتقالة قطفها البارحة من فوق سور الجيران ويأكلها.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp