قراءة نقدية فى الإدارات المرورية
بقلم الأديب المصرى
د. طارق رضوان جمعة
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح (قيس بن عاصم)
كونك أديب او رسام أو نحات أو غير ذلك من نعم ، يعطيك فرصة عظيمة للتعبير عما تراه بشكل ونظرة تختلف عن الاخرين . واليوم صرختى هى عتاب حميم ، والعتاب لا يوجد إلا بين الأحباب. وصرخة نملة هو أقل ما يوصف به يوم من عمرى أنا وولدى وصديقنا الروسى فى ادارة المرور. فصرختنا هى قراءة نقدية لتراثنا العربى المجيد وما نحن عليه من واقع مخيف. نقد مضىء للبناء وليس للهدم، لكى يبدأ كل فرد منا بإصلاح ذاته.
فقد حظي (التعاون) في تراثنا العربي ومأثورنا الشعبي بمكانة عالية، فالشعراء يشيدون به على المدى، والحكماء يرونه ضرورة للنجاح والإنجاز والتغلب على أعتى الصعاب. ولكن يا له من بلاء عظيم ما أى إليه حالنا اليوم ، فيبدو أن هذا التراث الراقى أنتقل عبر الأجيال بسلبية وناله شىء من التحريف والتبرير المغلوط والسفسطة فصار من الحمق أن تدخل اى جهة حكومية وخاصة وحدات المرور والتراخيص بدون وساطة أو إن شئت قل وساطات.
وصدق المثل الشعبي حين قال «قوم تعاونوا ماذلوا»
ففى وحدات المرور على سبيل المثال سترى البشر باختلاف طبائعهم بين هادىء ومتنمر من موظفين أو جمهور، لكن جميعهم على أية حال سبجعلوا لسانك وبشكل عفوى رطب بذكر الله فأنت لا تملك سوى أن تكون مسبح أو مستغفر أو محوقل. فلا يليق بالمؤمن غير ذلك من الصبر على البلاء. ولعله خيرا فهذا ما قاله الله عز وجل وهذه حكمته : {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج:40)
هنا ستقابل السادة الضباط والمهندسين والموظفين وجمهور غفير من الشعب الغنى منه والفقير، عفيف اللسان أو سليطه. منهم الحامد ومنهم أبو الفتوح وتداعبك الأمانى للحصول على رخصتك فى نهاية رحلتك ومشقتك. ويسعدك الحظ بمقابلة الحسن وأبو الحسن والصبور والمتأفف. انه عالم صغير بداخل عالمنا الكبير. ولكل هيئة حكومية ومنها طبعا المرورية لغتها الخاصة وعليك عزيزى المواطن أن تتقنها حتى تنهى مهمتك على خير وصحه وتكن من الناجين المبشرين بالفوز والنجاح . عليك التسلح بالزاد والزواد ، بالعدة والعتاد.
إِنَّ الـلَّئِيمَ بِـقُبْحِ الـقَوْلِ تَعْرِفُهُ وبـالحِوَارِ طِبَاعُ النَّاسِ تُكْتَشَفُ
فَنُّ التَّخَاطُبِ ذَوْقٌ ليْسَ يُدْرِكُهُ إلَّا كَريْمٌ بِحُسْنِ الخُلْقِ يَتَّصِفُ.
هنا فى صحراء ورحلة ترخيص سيارتك ستشتاق لقطرة ماء بعد عناء الفحص والإجراءات العديدة، فحمدا لله ان ليس لدى طيارة.
هنا احدثكم عن أماكن نادرا ما تجد معنى لتقدير كبار السن أو ذوى الاحتياجات الخاصة على رغم من يافطة براقة وشباك خاص غير مفعل باسم هؤلاء، ولكن تبقى الحقيقة المرة والشىء الأكيد الا وهو قانون الغابة. فمن يمكنه الجرى ، بل قل الكر والفر وكأننا فى قتال لا تراجع فيه ولا استسلام، يستطيع أن بنهى ترخيصه قبل الضغيف. هنا ستجد تصوير واضح لأسوأ ما فى حياتنا من قيم هشة وتجد وضوح شعار ” انا ومن بعدى الطوفان” . فالقوى يأخذ دور الضعيف. والضعيف نملة مسكينة ما لها من صراخ ولا صوت مسموع دفاعا عن حقها المستباح.
ويا لحظك التعس بعد عذاب يوم أو يومين وربما أكثر وفى المرحلة قبل الأخيرة يخبرك الموظف أنه لا يجد الملف الخاص بك وعليك ان تأتى غدا حتى يجدوه. فسمعا وطاعة لابد أن يكون جوابك هكذا. وغدا أنت وغيرك عليك أن تأخذ اجازة أو اذن من عملك وتعطل شغلك وعملائك لكى تذهب لانهاء رخصتك، فهل هذا تحضر وتقدم يليق بنا؟ حالى وصرختى هى حال الكثير منكم. وأرى أن على كل فرد ان يبدأ بنفسه من تنظيم وتحضر واستيعاب وتقبل للاخرين.
يقول إبراهيم الموصلي:
وإذا العبء الثقيل توزعته أكف القوم هان على الرقاب
خصوصية التعاون أمس واليوم وكل يوم مع الأصدقاء والأقرباء والزملاء عزاً وعزوة، وإنجازاً وقوة، وفوق هذا فإنها راحة وسعادة فالإنسان اجتماعي بطبعه، وكلما ساد هذا الاجتماع التفاهم والتعاون والحب والاحترام كان سبباً في السعادة ووسيلة للنجاح والراحة النفسية، واحساساً بجمال المحيط الصديق، أما حين تسود البغضاء والتحاسد والتفرق والمكائد فإن الجماعة يفشلون وتذهب ريحهم وتموت روحهم وان الأفراد يتعسون ويحسون بالاختناق والاحباط ويكرهون الناس والحياة.
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وان لم يشعروا خدم
وختاما لست ناقدا للهدم ولكن لننظر بعين الصواب وبلغة الحوار والنقاش حتى نحسن من واقعنا ونرحم الكبير وذوى الاحتياج الخاص والنساء. لماذا لا نرسم لوحات إرشادية وأسهم مرقمة تعين الجمهور على معرفة خطوات الترخيص مثلا؟ لماذا لا نفعل شبابيك ذوى الاحتياجات الخاصة وكبار السن؟ لماذا لا نختصر خطوات الترخيص المريرة والعديدة؟ لماذا لا ننشأ مظلات تحمى عباد الله من الجمهور والموظفين من الشمس أو المطر؟ لماذا لا ننظم دخول الجمهور لقاعات الترخيص رحمة بالموظف والعميل منعا للتكدس والازدحام؟ ففي تراثنا العربي يعبرون عن الأصدقاء باليد التى تعين وتساعد . والإنسان بلا معين كالعضد المقطوعة اليد، وهو تشبيه بليغ وصحيح . ومن شعر محمد بن عمران:
وما المرء الا باخوانه كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعةً ولا خير في الساعد الأجذم.
المزيد من الموضوعات
ندوة أدبية وثقافية بحزب الوفد بطنطا…
اللواء محمد البربري رئيس جهاز الحماية المدنية سابقا و أحد أبرز كوادر حماة الوطن بالغربية في حوار مع وسيط اليوم …
أسامة حراكي يكتب: التراث