وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: فن إختيار الكلام…

عمر الشريف يكتب: فن إختيار الكلام…

كتب عمر الشريف

وسيط اليوم

29/7/2023

 

يُحكى أن ملكً رأى في المنام رؤيا أزعجته، فدعا أحد المفسرين فقص عليه ما رأى فأخبره المفسر بأن تعبير رؤياه هو أن أسرته ستموت كلها في حياته، فغضب الملك من كلماته المفزعة وأمر بطرده من القصر، فجاء بمفسر آخر وقص عليه الملك ما رأى، فقال المفسر للملك: إنك ستكون طويل العمر وسيمد الله بعمرك وستكون آخر أسرتك وفاة، فسرّ الملك بهذا الخبر وأمر بمكافأته وإكرامه على بشراه بطول العمر للملك.

لقد كان تفسير رؤيا الملك واحداً من الرجلين، ولكن الأول لم يحسن اختيار كلماته وقذف بها في وجه الملك جافة جارحة، مما جعل الملك ينزعج مما سمع منه، بينما أحسن الثاني في إيصال المعنى نفسه إلى أذن الملك بكلمات أرق وبعبارات ألطف مما جعل الملك يتقبل ما يسمع .

فالكلمة هي أهم ما يملك الإنسان للوصول إلى قلوب البشر من حوله، وهي الطريق الأهم لفتح أذهانهم وعقولهم لما يريد، فليست الكلمة مجرد حروف وأصوات يخرجها الإنسان من فمه معبراً عن معاني نفسه للآخرين، ولكنها مفتاح القلوب وسر تقبل الناس للمتكلم.

فالكلمات أقوى مما نتخيل، لذلك من المهم أن نختارها بحكمة ونتعلم فن الحديث، فالبعض لديهم القدرة على حملنا بكلماتهم إلى أماكن بعيدة ومذهلة، ولسوء الحظ يمكن أن تقودنا كلمات أخرى إلى أماكن نتمنى ألا نزرها أبداً، فالكلمات هي وسيلة بالنسبة لنا للتعبير عن تجاربنا ووصفها للآخرين، لذلك يكون لدينا دائماً مشاعر مرتبطة بالالفاظ، وإن مشاعرنا تصنع حياتنا باستمرار، فيمكن للكلمات التي نستخدمها خاصة عندما يتم التحدث بها بشكل متكرر، أن تعمق مشاعرنا وتصبح في النهاية تجربتنا الحياتية.

فرب كلمة أدخلت صاحبها الجنة وكلمة أوقعت صاحبها في النار، وكلمة كانت له نجاة وكلمة كانت عليه هلاك، ورب صاحب حاجة أو مطلب عند مسؤل، عرف كيف يطلبها منه بحسن كلامه والتحدث إليه فاستجاب لطلبه، وآخر لم يعرف فن الكلام فأغلق الباب في وجه مطالبه.

قلوب الناس مغلقة بمغاليق يفتحها حسن اختيار الكلام معهم، ومعرفة ذلك فن يتقنه الشخص الذي على حسب اختلاف عقول الناس وثقافاتهم وبيئتهم وأحوالهم، فهناك شخص لا يمكن أن تخاطبه إلا بلغة التعظيم والتبجيل، وآخر يستجيب لك بلغة الحب والعاطفة والإنسانية، وآخر بلغة الحكمة والمنطق، وآخر بلغة الأمر والنهي والتوبيخ، فلكل مقام مقال، ولكل شخص هناك لغة تناسبه ويستجب لها أكثر من أي لغة أخرى.

فالإنسان الذي يحسن انتقاء ألفاظه بدقة ويختار كلماته بعناية هو إنسان ناجح، يستطيع في الغالب الوصول إلى هدفه من الحديث مع الشخص الآخر، وأن تكون المحاورة مثمرة طيبة، في حين أن الكثيرين قد يفقدون الكثير من رصيد علاقاتهم مع الآخرين بسبب عشوائية كلماتهم وفوضى ألفاظهم، مما يفسد عليهم الكثير، فالكلمة لها سحرها الخاص وتأثيرها الفعال في النفوس، وحسن اختيار الكلمات المعبرة عن المعنى هو فن وموهبة قد لا يحسنه الكثيرون .

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp