سنة أولى جامعة…
بقلم: أسامة حراكي
وسيط اليوم
30/9/2023
بفارغ الصبر تشرق شمس يوم إعلان نتائج الثانوية العامة، فهناك من يتلقى خبر صادم، أو نجاح بمعدل بسيط أو متوسط، أو نجاحهم بمعدلمرتفع، توصف تلك اللحظة بالقول: تعبهم يتلاشى عندما يرون دموع الفرح على وجنتي أولياء امورهم، وتعم الفرحة البيت، وبين تهنئة وأخرى يُطرحسؤال واحد، ماذا قررتم أن تتخصصوا أو تدخلوا؟
الإجابة عن هذا السؤال هو من أصعب القرارات التي يجب على الطلاب أن يتخذوه، لأنه قرار سيُبنى عليه مستقبلهم كله.
دهشة وحماسة وقلق، خطوات مرتبكة وملابس لافته للانتباه، كلها تعلن على الملأ داخل أسوار الجامعة “أمامك طالب سنة أولى” فعند مدخل الجامعةيرمي الطلاب عنهم شغب الطفولة ويحلمون بأيام الجد والاجتهاد، يدفعهم شوق وخوف، شوق إلى مستقبل منتظر، وخوف من مجهول لا يعرفونه.
تعتبر السنة الأولى في المرحلة الجامعية خطوة تحول مهمة في حياة الطلاب الذين ودعوا بالأمس القريب الطابور الصباحي وجرس نهاية الحصةوالزي المدرسي، إذ ليس هناك لباس مدرسي يخنق رغبة الطلاب في التغيير، ولا من يلاحقهم ليوبخهم على حمل التليفون المحمول، فمساحة الحريةالشخصية لدى الطلاب تكبر عند الخروج من عنق المرحلة الثانوية والوصول إلى الحرم الجامعي، وعندما يتعلق الأمر بالسنة الأولى في الجامعة، فإنالاستقلالية والاعتماد على النفس والمسؤلية والتأقلم مع عالم جديد، ستكون على قائمة الاهتمامات التي سوف تشغل أفكار معظم الطلاب، الذينيظنون أنهم سيبدأون حياة الحرية بعيداً عن ضغوط المدرسة، ليجدوا أنه حان وقت الجد والاجتهاد وتحمل مسؤلية دراسية كبيرة، محاضرات يوميةتبدأ منذ الصباح حتى نهابة اليوم، وكمية معلومات يومية تحتاج أسابيع للدراسة، ضغط هائل يزداد مع المضي قُدماً في قاعات الجامعة.
شعور طلاب الجامعة في سنتهم الأولى يشبه شعور العابر على جسر مرحلة جديدة من حياته، إذ يكون مزيجاً من القلق والترقب، ونقطة تحولمحوري في حياة الطلاب، وبها تكتمل شخصيتهم وترسم ملامح جديدة لها، حيث ينتقل الطلاب إلى مرحلة النضج والرشاد والمسؤلية، بعتبارهممقبلين على شكل مختلف من أشكال العلاقات الاجتماعية والمسؤليات الجديدة، خاصةً إذا حددوا لأنفسهم هدفاً، مثل اختيار الجامعة التي يريدونهاوالتخصص الذي يرجون دراسته، مما يجعلهم يشعرون بتغير مرحلي مهم في حياتهم.
السنة الأولى في الجامعة تمثل أيضاً للطلاب مرحلة يستمتعون فيها بمزيد من الحرية والاستقلال، ويعملون على بناء عالمهم الخاص لينفصلون عنالوصايا والقيود المدرسية، لكنهم يحتاجون فيها أيضاً إلى الدعم والرعاية بدلاً من المراقبة وإصدار الأوامر، باعتبارهم لا يزالون صغار وعلى الأسرةمساعدتهم بطريق غير مباشر، ويجب أن يكون هناك صداقة بين الطلاب وأسرهم، وأن يتناقشوا معهم بأسلوب الأصدقاء الذي يتسم بالحب والاهتماموالتفاهم الجيد، لأن هذا الأسلوب في المعاملة يمنحهم مزيداً من الثقة التي يحتاجونها بينما يدخلون في مجتمعهم الجامعي، فيزول توترهمويشعرون بالراحة في المرحلة الجديدة.
طلاب السنة الدراسية الأولى في الجامعة يقبلون عليها بكثير من الخوف والحذر من الانفتاح على البيئة الجامعية، ونجدهم أكثر ميلاً إلى التشبثبمفاهيم اعتادوها في المدرسة، مثل مراقبة الأهل وسرد التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالدرس، وذلك بسبب أنهم جاؤوا من مدارس ذات طبيعة تقليدية فيمجتمعنا، وكذلك من أسباب هذا التوجس تعاملهم مع هيئة أكاديمية جامعية تختلف تماماً عن المدرسة، تتسم بعلاقات أقل بين الأساتذة والطلاب وبينالطالب وزملائه، إضافة إلى ذلك أن متطلبات الدراسة ذات الطبيعة البحثية والقراءة المستمرة والتجارب، تخلق لديهم قلقاً بشأن استيعاب المطلوبمنهم، وعلى الطلاب أن يعملون على اكتساب مهارات جديدة ويهتمون بتثقيف أنفسهم في شتى المجالات، وألا يكتفون بأن يكونوا ملمين بدراستهمالأكاديمية فقط.
وعلى كل جامعة أن تسعى إلى جعل بيئة الطلبة جاذبة يسهل الاندماج في جميع مرافقها، ولا يتم ذلك إلا بكون جميع العاملين من أكاديميينوإداريين ذوي كفاءة وذكاء اجتماعي وتعليمي، ولديهم الخبرة والمهارة لاستيعاب هؤلاء الطلبة وتدريبهم تدريجياً لرفعهم إلى مستوى جامعي فيالتعامل والتخاطب والتفكير، فإن إحدى ركائز النجاح تتمثل في وجود أُسس إدارية، كلجنة القبول والتسجيل ووحدة شؤن الطلبة والوحدات الإداريةالأخرى، التي تسهم بشكل فعال في امتصاص خوف الطلاب والتعامل معهم بشكل احترافي وودي، وتوضيح الأمور التي ستواجههم أثناء وجودهمفي الجامعة، وإرشادهم للتحدث إلى ذوي التخصص حال واجهتهم أي تحديات، حيث يتعين على المتعاملين مع الطلبة أن يكونوا على دراية بالتعاملمعهم، وأن يعملوا على بناء الثقة المطلوبة لدى الطلاب المستجدين، فالجامعة تلعب دوراً حيوياً في جعل القوانين الأكاديمية والإدارية واضحة لدىالطلاب منذ اليوم الأول، وأن لديهم القدرة على الوصول إليها عبر وسائل التواصل المختلفة.
الجامعة والمدرسة مرحلتان مختلفتان، لكن ثمة أشياء متشابهة بينهما، والأمر الوحيد المختلف هو طبيعة العلاقات بين الزملاء، فهي تتصف بكونهاأنضج وأكثر عمقاً في المرحلة الجامعية.
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف