ماذا تعني كلمة وطن؟
هل الوطن الذي كان في مخيلة جدي، هو نفس الوطن الذي في عقلي وقلبي الآن، وهل الوطن الذي تحدث عنه مؤسس حزب الوفد سعد باشا زغلول، هو ذاته الوطن الذي يتحدث عنه اعضاء البرلمان أو رؤساء الاحزاب اليوم ؟
هل الوطن الذي نتحدث عنه طول الوقت الآن، له نفس المعنى عند الأب والابن، وعند الوزير والغفير، وعند ساكني قصور زايد وساكني عزب الصفيح؟
اجتهدت أن أتصور مسار النظرة للوطن، معناه في الخيال والفكر والاحساس والتفاعل معه.
فكرت في عائلتي، في جدي الذي عاصر ثورة 23 يوليو 1952 وحروب 56 و 67 ثم اكتوبر 73 وأبي الذي شارك بثورة 25 يناير 2011 وأنا الذي بدأ تفاعلي بعد ثورة 30 يونيو، وابني الذي سيكون في المستقبل بإذن الله…
وجدت أن هناك خطاّ بدأ عند جدي تظهر فيه بوضوح رومانسية الاحساس بالوطن، ثم تمتزج خلال مسيرته هذه الرومانسية بدرجات تتزايد من الواقعية عند أبي، حتى يصل إلي أنا حيث تطغى عندي واقعية الاحساس بالوطن.
ووجدت خطأ ثانياّ يبدأ عند جدي يظهر فيه التعبير عن فكرة الوطن بدرجة كبيرة من الحماس، وبتصور أن الوطنية هي التضحية بالنفس من أجل الوطن، وتقل الحماسية تدريجياً ويقل الاعتقاد بارتباط الوطنية بالتضحية بالنفس حتى تصل إلي، حيث أرى الوطن مكاناّ مألوفاّ محبباّ للمعيشة فيه، وأن الوطنية يجب ألا تجرفنا إلى حماسية تطغى على الأفكار اللازمة لنهضة هذا الوطن، وأن الوطن جدير بالجهد المبذول للحياة فيه وليس للتضحية بالنفس من أجله.
ثم وجدت خطاّ ثالثاّ في بدايته يرى جدي أن الوطن مصر عالمه، و تتسع نظرة أبي ليرى مصر وسط عالم أوسع لكنها محوره، و يصل الخيط إلي فأرى أن مصر بلدي لكن العالم الواسع كله عالمي وإن كانت مصر هي مكان ميلادي ونشأتي، وأن بذور تكويني منها، لكن هذا كله يجب ألا يشكل حاجزاّ بيني وبين العالم الواسع.
عاصر جدي اضطرابات أيام السادات الأخيرة، وعاصر والدي تدهور الوطن تحت الحكم المباركي الطالح، وها أنا على الساحة ألتقي مع اقراني في البحث والاختلاف والخلاف حول معنى كلمة وطن.
جمعت الثورات الأجيال حيناّ وفرقتهم أحياناّ، وازدادت الخلافات بين جيل أبي الذي يتهم جيلي بالسطحية وتعجل تحقيق المكاسب، والأهم يتهمه بعدم فهم معنى الوطن فهماّ حقيقياّ، و جيلي الذي يتهم جيل أبي بالمسئولية عما آل إليه الوطن الذي تغنينا به من تدهور وضحك على الذقون بالمواعظ الجوفاء حول معنى الوطن.
وأصارحكم القول يا أصدقائي أن أبي يتجه أكثر في اتجاه رؤية جيلي، الجيل الذي يسير في اتجاه حركة التاريخ، ويتعاطف مع رغبة جيلي في تسريع هذه الحركة لأنه يؤمن أن من حقنا أن نرى مكاسبها، ويتفهم غضبنا ونحن نرى جيلاً لم يحقق من الانجاز ما يتباهى به، وهو يتشبث بايقاف حركة التاريخ، بل يحاول ارجاعها للخلف “جيل جدي” فحركة التاريخ يجب أن تكون واقعية لا رومانسية مع علاقتنا بالوطن، ونجعله مكاناّ للحياة الكريمة السعيدة، لا ان يكون حبنا له سبباً لفقدان حياتنا، وأن يكون جزء من العالم المزدهر الحديث، لا أن يتمحور حول ماضيه، فهل يا تُرى ماذا تعني عندكم كلمة وطن؟
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: أول طابع بريد في العالم
عمر الشريف يكتب: خالف تعرف
أسامة حراكي يكتب: في ذكرى صاحب الفن وأحواله.. احمد فؤاد سليم