وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

الصدمة..

الصدمة..

بقلم/محمد الشرقاوي

وسيط اليوم

2/1/2023

 

رنين الهاتف المتواصل أيقظ المعلم سليم رغم أنفه ، علامات السخط والغضب ترتسم على وجهه ، لا يحتمل لفظا واحدا من زوجته التي تلح في معرفة الأمر ، يستكمل ارتداء ملابسه وهو منطلق نحو الباب ناسيا بعض متعلقاته الشخصية ومنها هذا الهاتف المزعج ، تطلق الزوجة عدة نداءات لكن بلا جدوى ، تتابعه بعينيها وهو يدور جريا مع دوران سلم المنزل حتى يختفي تماما ، تعود إلى الشقة لكن عقلها لا يزال يحلق بعيدا باحثا عن تفسيرات لما حدث ، تسأل نفسها : هل سأمكث هكذا في قلق متواصل لحين عودته في المساء ؟ ماذا يمكنني أن أفعل ؟ فالابن في جامعته بإحدى المحافظات البعيدة ، والبنت مع زوجها الذي يعمل في إحدى دول الخليج ، أما الآخرون فعلاقتنا بهم منقطعة منذ زمن بعيد .

يمر الوقت ولا تزال وفاء في حيرة من أمرها ، تفكر في الذهاب إلى مخبز زوجها لتخفيف وطأة القلق ، لكن خوفها من رد فعل زوجها يضعها في قلق أشد ، فهي تعلم مدى طباعه الحادة ومدى غيرته الشديدة ، تعود بذاكراتها قبل أربعة أعوام حين ذهبت إلى المخبز لأمر هام فكان عقابها الطرد بلا شفقة لتقيم في بيت أبيها سنة كاملة فشلت خلالها كل محاولات الوسطاء والمصلحين لعودة هذه الأم المسكينة إلى دارها وولديها ، تتوجه بالدعاء إلى الله أن يكون الأمر بسيطا ، تهدأ قليلا ثم يطاردها القلق مرة أخرى ، تنظر إلى الساعة المعلقة في الصالون ، تدرك أن موعد دوائها قد مر ، لم تعبأ ولم تحاول استدراك ذلك ، يا له من موقف عصيب !

تأخذها خطواتها نحو الشرفة لعلها تجد أحدا يساعدها ، من خلف الستارة الزرقاء ترسل نظراتها يمينا ويسارا ، تمر الدقائق ولا تجد أحدا يصلح لتلك المهمة ، الأطفال يسيرون في الاتجاهين قاصدين مدارسهم ، قطرات من المطر الخفيف تجبر السائرين على التزام السير بجوار المنازل وأسفل الشرفات ، تبدو من بعيد سيدة تعرفها جيدا ، إنها صاحبة الشقة المقابلة لها ، تقترب السيدة فتنفرج أسارير وفاء ، تطمئن قليلا وخاصة لأن هذه السيدة قادمة من ناحية مخبز المعلم سليم ، تفكر سريعا كيف تطلب منها العون ثم تنطلق مسرعة نحو الباب لانتظارها .

تترقب وفاء وتتابع بعينيها خطوات السيدة وهي تصعد على سلم العمارة ، أخيرا تصل لتجد وفاء واقفة داخل باب شقتها :
– وفاء : صباح الخير يا أم سحر
– أم سحر : صباح الخير يا أم شاكر
– وفاء : لو تسمحين بالحضور دقيقة واحدة .
– أم سحر : نعم حبيبتي ، تحت أمرك .
تدخل أم سحر فترحب بها وفاء وعلامات القلق مسطرة على قسمات وجهها ، تبادرها أم سحر بالسؤال عن سبب ذلك ، وعندما تخبرها وفاء بما حدث تصمت السيدة فجأة ، تزداد دهشة وفاء وكأنها أدركت أن أم سحر تعلم شيئا ما ، تستحلفها بالله أن تخبرها ، تأخذ السيدة منها وعدا بالكتمان ثم تقول : يقول الناس إن طاقم العمال في مخبز زوجك قد امتنع عن العمل ، لذلك ظل المخبز مغلقا هذا الصباح .
– وفاء : هل تعلمين السبب ؟
تدير أم سحر وجهها بعيدا وتبدو عليها علامات التردد ، تلح وفاء وبعد محاولات عديدة تخبرها قائلة : يشيع الناس أن زوجك يتاجر في المخدرات ، ولهذا تركه العمال .
تقع الكلمة على مسامع وفاء محدثة صدمة عنيفة تهتز لها مشاعرها وكل جوارحها ، تحاول عدم إصدار حكم مسبق دون تأكيد ، لكن تدور في عقلها تساؤلات عدة عن زوجها : لماذا لم يوافق على عمل أحد أقربائه معه ؟ ولماذا يختصر مكالماته الهاتفية أمامي ؟ لماذا يتكلم بالرموز الغامضة ثم يخرج مسرعا بعد تلك المكالمات ؟ لماذا يمنعني من الذهاب مطلقا إلى المخبز مهما كان الأمر خطيرا ؟ وبينما هي سابحة في أفكارها ، تستأذن منها أم سحر للانصراف مقسمة عليها بعدم ذكر اسمها في هذا الأمر .

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp