الأسرة هي النواة المجتمع…
بقلم: أسامة حراكي
وسيط اليوم
21/18/2023
لم يمض المخترع “توماس أديسون” في المدرسة سوى ثلاثة أشهر فقط، ليطرد بعدها بحجة أنه طفل ناقص الذكاء، فقامت والدته بتعليمه بنفسها، وقال توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي عن أمه: “لقد اكتشفت مبكراً في حياتي، أن الأم هي أطيب كائن على الإطلاق، لقد دافعت أمي عني بقوة في وجه أستاذي، وفي تلك اللحظة عزمت على أن أكون جديراً بثقتها، كانت شديدة الإخلاص، واثقة بي كل الثقة، ولولا إيمانها بي لما أصبحت مخترعاً أبداً”.
وتخصصت الكاتبة الإنجليزية “أغاثا كريستي” في كتابة الروايات والقصص البوليسية، ولها عبارات شهيرة عن والدتها إذ قالت: “يرجع الفضل إلى والدتي في اتجاهي للتأليف فقد كانت سيدة ذات شخصية ساحرة وتأثير قوي، وكانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرون على فعل كل شيء، وذات يوم وقد أصبت ببرد شديد ألزمني الفراش قالت لي: “خير لكِ أن تقطعي الوقت بكتابة قصة قصيرة وأنت في فراشك”.
ولعب والدا الشاعر والفيلسوف الهندي “طاغور” دوراً كبيراً في حياته، وجعلاه في مقدمة شعراء الإنسانية الذين أوقفوا فنهم للسلام والإخاء بين البشر، يقول طاغور عن والدته: “علمتني كل شيء، حتى كيف أستمتع بلعبي، وأوقات تأملاتي” أما والده فكان المدرسة الحقيقية التي تربى فيها وتعلم منها، إذ نمى لديه منذ الصغر نزعة استقلال الذات، والاعتماد على النفس.
والرجل الذي قرر مستقبل ابنته، هو والد لاعبة التنس الأولى في العالم “سيرينا ويليامز” فبعد أن استشعر فيها مهارات لاعبي كرة التنس، ما كان منه إلا أن دعمها وشجعها لتنمي مهاراتها في اللعبة، في نادٍ غير مناسب للعب بسبب ظروفه المادية، ومع ذلك لم ييأس أو يشعرها بالإحباط فقد استمر في تدريبها بنفسه أولاً، قبل أن تفوز وتصبح لاعبة عالمية، واليوم تكرر ما حدث مع طفلتها.
تولد الموهبة مع الأطفال بالفطرة وتحتاج إلى من ينميها ويرعاها حتى تبرز، وفي مرحلة قبل المدرسة تبرز موهبة الطفل بعد أن يكتشفها الوالدان، لأنهما أقرب المحيطين به، ثم عليهما التعاون مع المدرسة في مرحلة الدراسة، حتى يصبح لديه شغف بتحقيق أهدافه.
فالموهوب نواة شخص مميز، فقد يصبح يوماً ما أحد المشاهير، هو فقط ينتظر العين الفاحصة التي ترى ما لا يراه الآخرون، وليس هناك من هو أقرب للطفل من اسرته، التي تكتشف موهبته وإبداعاته بسهولة، ويجب على الوالدين والأهل رعاية نبتة الموهبة بالتشجيع والمتابعة والحرص على تنميتها في محضنها الأول بالمنزل، إن أرادوا ایجاد انسان متميز، فالموهبة والإبداع عطيتان من الله تعالى لجُل الناس، وهما كالبذرة في الأرض، تنمو وتُثمر أو تذبل وتموت، لكن في حال رعايتها ستزهر أملاً في شخصية صاحبها ويستظل بها كل أفراد أسرته، وينعكس إيجاباً كل ذلك على المجتمع ليسطر لنفسه تاريخاً ويصنع حضارة، ويكتسب مكانة مرموقة بين الأمم.
أثبتت الكثير من الدراسات العلمية أن تنمية المواهب لدى الأطفال تتطلب أساليب تربوية خاصة، كما تحتاج أيضاً إلى تعليم وتعلم، حتى يتم صقل المواهب وتنميتها وتطويرها، وهنا دور الأسرة في رعاية المواهب ومساعدتها كي تزدهر أو إجهاض المحاولة في مهدها، والقضاء على أي إبداع قبل أن يرى النور.
وقديماً قال ألبرت آينشتاين الذي أصبح اسمه مرادفاً للعبقرية: “الخيال أهم من العلم، لأن العلم محدود، فيما يمتد الخيال ليشمل العالم كله، ويحرك التقدم ويلد التطور”.
فعلى الأسرة مساعدة أبنائها في تنمية مواهبهم واكتشافها، فالأهل مرآة أبنائهم الأولى، لذلك كلما منحوهم الثقة بالنفس وتقدير الذات واجتهدوا لاكتشاف مواهبهم ومهاراتهم منذ وقت مبكر، صنع كل منهم كيانه المتميز على أساس قوي من تقدير الذات والثقة بالنفس، والتطوير المتواصل للمهارات، وسيكونون شخصيات إيجابية لديها مستوى عالٍ من التوافق النفسي والاجتماعي.
إن الشرائع السماوية أكدت تحمل مسؤلية تربية الأبناء بأمانة في بيئة نقية وصحة نفسية وهذا ما أشارت له القوانين الدولية أيضاً لاحترام حقهم في الحياة، وكما يقول الشاعر: “هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد” فمن الضرورة منح الأبناء القدرة على التعبير عن أنفسهم عبر الحوار مع الوالدين بشفافية، واستشراف رغباتهم، فكم من الأهل أجبروا أبنائهم على دراسة تخصص أكاديمي يحلمون به، ليتفاخروا أمام المجتمع ضاربين عرض الحائط برغبة الأبناء الحقيقية، والنتيجة تكون فشل الابناء في تحقيق رغبة الأهل، وضياع سنوات عمرهم هباء.
فعلى الأهل التفكير بعقلانية خلال المراحل التعليمية مع أبنائهم، وتوجيه البوصلة لمستقبل مشرق من خلال ملاحظة مواهبهم واستكشافها وصقلها ومعرفة رغباتهم وتنميتها ليكون النجاح حليفهم، وليقدموا للمجتمع كوادر متميزة فيها الفنان والمبدع والطبيب والمهندس والمعلم…
المزيد من الموضوعات
كلمة للتاريخ يوما ما سيجئ الحساب…
بالبنط العريض…
بريهان العبودى تكتب.. الغدر ونكران المعروف